الكلمة الثانية

 بسم الله الرحمن الرحيم

 جاء في الرواية:[1] خرجتُ لأجل زيارة سيّد الشهداء (عليهم السلام) ـ ليلة النّصف من شعبان أو غيرها ـ اغتسلتُ وخرجت ليلاً للزيارة فرأيت رجلاً لباسه أبيض مقبلاً فقال: «انصرف!». فانصرفت واسترحت قليلاً وصلّيت. واغتسلت مرّة ثانية وذهبت للزيارة، مرّة أخرى جاء ذو اللباس الأبيض نفسه قال: «انصرف!». انصرفت، بعدها طال الوقت إلى قريب الصباح اغتسلت مرة أخرى ـ في الفرات أيضاً ـ وذهبت فرأيت [صاحب اللباس الأبيض] أقبل مرّة أخرى قال لي: «انصرف!». قلت: «لماذا أنصرف من زيارة ريحانة رسول الله (ص) أخاف من مسلّحة بني أمية، أخاف أن يدركني الصبح ويُعلم أنّي من زوّاره و...» يقول عندما وصل الأمر إلى هنا قال لي: «إنّ موسى بن عمران استأذن ربّه في زيارة الحسين (عليهم السلام) في أربعة آلاف من الملائكة فإذا صار الصبح فَجِىء إلى زيارة الحسين (عليهم السلام) وزُرِ الحسين (عليهم السلام)». هكذا مضى إلى أن صار الأذان وصار وقت الصّلاة أتيت للزيارة.

هؤلاء[2] ما زالوا، كما كانوا سابقاً، كأنّهم قد رأوا بعدهم وبعد حياتهم، من أتى، ثم من أتى من بعده، وهكذا، كلّ في محله، وموسى بن عمران هو نفسه السبب للمراجعات[3] من أجل تخفيف الصّلوات من خمسين إلى خمس، هو نفسه كان يقول في المراجعة: «ارجع إلى ربّك واسأله التخفيف» حتّى وصلت الخمسين إلى الخمس: « مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ »[4].

والأعجب من هذا أكثر فأكثر فأكثر هو ما قد أدركناه، أن واحداً من أبناء علمائنا العظام المعروفين حيث قال: كنت في المشهد المقدس الرضوي رأيت ليلاً في الرؤيا أنّ قبّة الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهم السلام) قد رُفعت، ووُضع سرير بين السماء والأرض جلس عليه شخصان، عرفتُ في المنام أنّ أحدهما هو عيسى بن مريمL والآخر أُمّه مريم (عليها السلام). بعدها استيقظت، ونمت، ومرّت هذه القضيّة. بعدها ذهبت مثل كلّ يوم لزيارة الإمام الرضا (عليهم السلام)غافلاً بشكل كلّي عن ذاك المنام. فدخلت الحرم الشّريف فإذا بالحرم مظلم جداً لم يكن أحدٌ موجوداً، ذاك الحرم الّذي كان دائماً فيه الضجيج ومزدحماً دائماً، ومضيئاً دائماً، أتيت فرأيت ظلمة شديدة ولايوجد ضجيج، نظرت فرأيت القبّة منشقّة كما كنت قد رأيتها في المنام، السرير منصوب، والقبّة مفتوحة، جاء شخصان هبطا من الأعلى إلى الأسفل ووقفا مقابل الضريح وانشغلا بزيارة الإمام علي بن موسى الرضا سلام الله عليه حيث كان أحدهما عيسى والآخر مريمL.

ومن العجائب أنّهما زاراه (عليهم السلام) بنفس زيارة وارث المعروفة والموجودة لدينا وبدأا بقراءتها نفسها من أوّلها إلى آخرها. والأعجب من هذا أنّ في زيارة وارث لسيّد الشهداء (عليهم السلام) ينتقل [السّلام] من نبيّ الله إبراهيم إلى موسى بن عمرانL ولا يوجد فيها إسماعيل (عليهم السلام). لكن في الزيارة التي هي للإمام الرضا (عليهم السلام) فيها [عبارة]: «يا وارث إسماعيل ذبيح الله»، وفي نفس زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليهم السلام) جملة «إسماعيل ذبيح الله» غير موجودة، حيث بعد التسليم على ابراهيم ذكر السّلام على موسى، كان يقول: إنّهما قرآ نفس ما ورد في زيارة الإمام الرضا (عليهم السلام)؛ بمعنى أنّهما قرآ زيارة وارث وانتقلا بعد إبراهيم إلى إسماعيل وقرآ «إسماعيل ذبيح الله». بقيت هذه الخصوصيّة وغيرها في بالي، حتّى قولهم «إسماعيل» بقي في ذاكرتي. وكنت أعلم أنّ «إسماعيل» مذكور في زيارة الإمام الرضا (عليهم السلام)، وغير موجود في زيارة وارث لسيّد الشهداء (عليهم السلام). ثمّ بعد أن انتهيا من الزيارة صعدا إلى الأعلى من نفس الطّريق الّذي هبطا منه والتصقت القبّة. فجأة رأيت أنّ الحرم منير وممتلئ بالضوضاء وأصوات الزائرين، وصياحهم والّتي لم يكن لها أثر آنذاك.

انظروا ألا يكون هذا لنفس هذا الشخص[5] ـ ولكلّ من أيقن بصحة ما رآه ـ موجباً لليقين؟ هل يبقى مجال الشكّ للمؤمن مع كون تمام المواد والشروط والموانع وكلّ شي يقينيّاً؟ إذن يُعلم من هذا أنّ الخلل هو في التصديق بالتوحيد، هناك وقع الخلل!

كان أبٌ غير صالح يوصي ابنه وباقي أولاده أنّه: أولئك الّذين هم متدينون ويريدون أن يجعلوكم متدينين، فما استطعتم بكل قوّتكم وبأقصى ما يمكنكم أنكروا وجود الصانع! لأنّهم إذا أثبتوا لكم أنّ الصانع موجود وأنّ للعالم صانعاً، لن ترتاحوا من أيديهم بعدها! لن تستطيعوا أن تجعلوهم محكومين بعدها!!

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

[1] «عنِ الحُسينِ بْنِ أبي حَمزَةَ قَالَ :خَرجتُ في آخرِ زَمَنِ بَني أُمَيَّةَ وأنا أريدُ قبرَ الحُسَين عليه السلام، فانتهيتُ إلى الغاضريَّةِ، حتّى إذا نامَ النَّاسُ اغتَسلتُ، ثمّ أَقبَلتُ أُريدُ القَبرَ، حتَّى إذا كنتُ على بابِ الحير [الحائر] خَرَجَ إليَّ رجلٌ جميلُ الوجهِ طيبُ الرّيحِ شديدُ بياضِ الثّياب. فقالَ: انْصَرِف فإنّكَ لا تَصلُ. فانْصَرفتُ إلى شاطئ الفُراتِ، فآنستُ بهِ حتَّى إذَا كانَ نصفُ اللَّيل اغتسلتُ، ثمَّ أقبلتُ أُريدُ القبر. فلمَّا انتَهيتُ إلى بابِ الحائرِ خَرَجَ إليَّ الرَّجُلُ بِعَينِهِ فَقَالَ: يا هَذَا، انْصَرِفْ فَإنَّك لا تَصلُ. فانْصَرَفتُ، فلمَّا كانَ آخِرُ اللَّيلِ اغْتَسَلْتُ، ثُمَّ أَقبلتُ أُريدُ القَبرَ، فلمَّا انْتَهيتُ إلى بابِ الحائرِ خَرَجَ إليَّ ذلكَ الرَّجل فَقَالَ: يا هَذا انَّك لا تَصلُ. فقلتُ: فَلِمَ لا أَصِلُ إلى ابْنِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسَيَّدِ شَبَابِ أهلِ الجَنَّةِ، وَقَدْ جِئتُ أَمشي مِنَ الكوفة، وَهِيَ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ، وَأَخَافُ أَنْ أُصبِحَ هَاهُنَا وَتَقتُلَنِي مصلحة [مُسْلَحةُ] بَني أُميَّةَ. فَقَالَ: انْصَرِفْ فإنَّك لا تَصلُ، فَقلتُ: وَلِمَ لا أصِل؟ فقالَ: إنَّ موسَى بْنَ عِمرانَ استَأذنَ رَبَّه فِي زِيارةِ قبرِ الحُسَينِ عليه السَّلام فأذِنَ لَهُ فأَتاهُ، وَهو في سَبعينَ ألفٍ. فَانْصَرِف، فإذا عَرَجُوا إلى السَّماءِ فَتَعَال. فَانْصَرَفتُ وَجِئتُ إلى شَاطئ الفُراتِ، حَتّى إذَا طَلَعَ الفَجرُ اغْتَسَلتُ وَجِئتُ فَدَخَلتُ فَلَم أَرَ عِندهُ أَحداً، فَصَلَّيْتُ عِنْدهُ الفُجْرَ وَخَرَجتُ إلى الْكُوفَة»؛ إقبال الأعمال، ج ٢، ص ٥٦٨؛ مدينة المعاجز، ج ٤، ص ٢١٠؛ بحار الأنوار، ج ٩٨، ص ٥٧؛ مستدرك الوسائل، ج ١٠، ص ٢٩٤.

[2] أي موسى بن عمران و كذا الأنبياء مثله.

[3] من لا يحضره الفقيه، ج ١، ص ١٩٧.

[4] سورة ق، الآية ٢٩.

[5] صاحب الكرامة.