الكلمة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 على الجميع أن يعلموا [أن عليهم] فيما يعملون التوجه لما يبقى لهم، لا إلى ما يفنى!

الأعمال الصالحة والطاعات الإلهية وما يقرّب إلى الله عزّ وجلّ يبقى مع الإنسان، ويحمله الإنسان معه من هنا إلى يوم القيامة، وإلى ما بعد القيامة، وحيثما حلّ.

إنّ الأعمال الصالحة للإنسان والأعمال الباقية له لا تكاد تفنى، وليعلموا أنّ الطاعات والعبادات والمقرّبات، هي ليست بحيث إذا انهدم هذا البيت[1] تزول معه، وإذا انفصل البدن عن الروح تبيد، [بل] إنّها تكون باقية وثابتة، بل ستظهر صورة معنويّة منها هناك[2] لكل فرد.

إيّاكم أن تغفلوا! إنّ الّذين استشهدوا والّذين قدّموا شهداء، إنّما مضوا في سبيل الله، وكانوا في سبيل الله، والله تعالى يعلم أي تاج وُضع على رؤوسهم بالفعل، وإن كان البعض لا يرون ذلك إلاّ بعد مغادرتهم هذه النشأة[3].

والبعض ممّن هم من أهل الكمال ربما يرون في هذه النشأة[4] أيضاً، أنّ فلاناً على رأسه تاج ، وفلاناً ليس على رأسه تاج!

المقصود أنّ شهادة [إستشهاد] أقارب المرء هي نفسها كرامة من الله عزّ وجلّ.

والشهادة ـ لو أردنا تقويمها ـ فهي مما يوجب المسرّة، ليست مما يوجب الحزن. هذا الحزن الّذي يحصل في الإنسان لأجل أنّ ذلك الشهيد قد ارتحل إلى تلك الغرفة[5]، وبقينا نحن في هذه الغرفة[6]، لكن علينا أن نفكّر أن حاله أفضل من حالنا، نحن غير مرتاحين وهو في راحة، ولا نفكّر ماذا جعل الله له الآن، [بينما] لا يعلم نحن كيف سنرحل؟ هل نرحل مع الإيمان أم لا؟ هو قد مضى مع الإيمان [مؤمناً] وبهذا النحو أيضا [أي] لقد ارتحل شهيداً.

يجب أن نفهم أن الشهادة من موجبات السّعادة، وترتقي بكل فرد للأعلى، لا تنزله للأسفل، وهذه الدار هي الدار الّتي ليست مكاناً للبقاء. يجب أن يجمع هنا أموراً للمكان الّذي سوف يعيش فيه[7].

ذاك الوقت، تلك الأشياء الّتي يجمعها، هناك تتبيّن عظمتها، هناك يُعلم بأنّ هذا كافٍ ووافٍ، هنا لا يُعلم!

الله يعلم كم للصّلاة الواحدة [على محمّد وآل محمّد] الّتي يصلّيها الإنسان و يهديها للميّت، أيّة معنويّة، أيّة صورة، أية واقعية [حقيقة] لنفس هذه الصّلاة! يجب ألا يعتني بالقلّة والكثرة، [بل] الاعتناء بكيفية هذه [العبادات].

لو أنفق المرء شيئاً لله ـ ولو كان فلساً واحداً ـ وأنفق آلافاً من الذهب والفضّة [لكن] ليس لله ، هذه هي الفانيات، وذاك هو الباقي.

إنّ كلّ [إنسان] يترقى وينمو آناً بعد أن، ومحال أن يعمل خيراً لله عزّ وجل ويصير مغفولاً عنه، « لا يعزب عنه مثقال ذرّة »[8] ولا تطّلع عليه الملائكة ولا يكتبه ولا يسجّله أحد.

يجب أن يكون ملتفتاً، كلّ خير وكلّ شر يصدر من أي شخص سيكون بارزاً هناك! الله يعلم كم من ناظر يوجد، الّذين يطّلعون على هذه الأوضاع[9]! الله يعلم أي جزاء ثابت ومقرر للأعمال، أياً كانت خيراً أو شراً!

لا ينبغي أن يُظنّ أنّ المسألة مسألة القلّة والكثرة، [بل] هي الكيفيّة. كان لله [و إن] كان قليلاً، كان لغير الله [و إن] كان كثيراً. وبالضرورة أن ينظر إلى دفتر الشرع[10]، وعندما يكون هنا[11] ما الّذي يجب فعله؟ وما الّذي يجب تركه[12]؟. إننا ضيوف الله وعلى مائدته، [و هو] يرانا، يعلم ما الّذي نفعله، يعلم ماذا ننوي أن نفعل[13]. فهو أعلم بأفكارنا. إنّنا نتصوّر أموراً ونتصوّر أنّها ستتحقق، فما نتخيّله لن يتحقق، الله تعالى يعلم أن الأمر بالعكس، وما نتصور أنّه سيتحقق فلن يتحقق، وما نتصوّر عدم تحقّقه فيتحقّق. إنّه تعالى مطّلع إلى هذا الحدّ.

 

«إن الله تعالى المطّلع» وهذا واضح. وكذا ملائكته ورسله في كلّ مكان، في اليمين، في الشمال، هذه الجهة، تلك الجهة، موجودون في كلّ مكان.

لا يمكن الإخفاء عن الله عزّ وجلّ. فعندما لا يمكن الإخفاء، والله تعالى يرى، يعلم، ويقدر أيضاً، فإن ثمة أشياء يحبّها، وثمة لا يحبّها، و[ذلك] إنّما هو لأجلنا، وإلّا فلا يختلف عنده.

وإذا كان كذلك، فهل نحن بحاجة لأن نعلم أكثر من هذا بأن «الله مطّلع على ظاهرنا ومطلع على باطننا»!؟

لقد تجسّم الشيطان الملعون للنبي يحيى (عليهم السلام)، [و] قال: «أنصحك بخمسة أُمور!». قال (عليهم السلام): «حسناً، تكلم!». [الشّيطان] تكلم في الأولى بكلمة حكمة جيّدة جداً، [و] الثانية أيضاً كانت جيدة كثيراً، [و] الثالثة تلك أيضاً جيدة كثيراً، [و] الرابعة رأى [يحيى (عليهم السلام)] أيضاً أنها جيدة جداً. قال [له النبي يحيى (عليهم السلام)]: «الآن اعزب! في الخامسة سوف تقوم بعملك. اذهب! الخامسة لا أريدها بعد، لا بدّ أنك ستقوم بعملك في الخامسة، وإلاّ فلن تكون إبليس!». إبليس هو الداعي إلى الشّر، كلّ هذا كان مقدمة ليقوم آخر الأمر بتأدية عمله!

كونوا ملتفتين أيضاً! إنّ حياة الأجانب هي بالجواسيس، إلى حدّ الآن كلّ ما قد عملوا بنا[14]، ما عملوه إلّا بواسطة الجواسيس!

كونوا ملتفتين! انظروا حواليكم، فأحياناً يصلون إلى الجاسوس عبر عدة وسائط.

هذه فطانة، يجب أن يعطيها الله سبحانه للإنسان حتّى لا ينخدع بالكذّابين، يصدُقون ويصدقون على الإنسان لحدٍ يمكنهم أن يبيعوا كذبهم!

يُحكى إنّه كان هناك تاجرٌ إيطالي، وأوّلُ شخص أخذ حقّ بيع النفط الإيراني كان هو هذا الشخص. [و] لأنّه كان تاجراً وشخصية مهمة جداً، اشترى حق بيع النفط الإيراني بمبلغ طائل، ولأنه كان نصرانياً، قام بوقف [المشروع] للتبليغ الديني، [لـ]تكون باختيار البابا، وليكون تبليغ الدين المسيحي بأرباح النفط هذه. الرجل العجوز ـ بزعمه ـ كان قد وقف كي يصير تبليغاً في سبيل الله!!

كانت عوائد النفط بيده لمدّة طويلة، [الوقت الّذي] كان بداية أمر النّفط الّتي يبدو كأنّها قد كانت [في عصر] سلطة «مظفر الدّين شاه». علمت الحكومة البريطانية بأنّ هذا الشخص قد اشترى حقّ بيع النفط ووثيقته هي لديه، ذاك الوقت لم يكن هناك كلام [حول] المحضر وتسجيل [الأملاك] والوثائق وأمثالها. كانت الوثائق الشخصيّة عادية شائعة وتتمّ [بها]جميع المعاملات.

الانكليز أرسلوا شخصاً منهم، أن اذهب وتصادق مع هذا الرجل العجوز المتديّن بالدّين المسيحي واعمل كلّ ما يكون وسيلة، ليستأنس بك! [فهذا الشخص] انشغل بالعبادة لمدّة طويلة مع هذا الرجل المتديّن بالدّين المسيحي، [و] صار شريكاً معه في العبادات والكنيسة، على النحو الّذي اطمأن بال [الرجل العجوز] إلى أن رفيقه إنسان جيد ومتديّن، [لأنّه] يكون مشغولاً بالعبادة ليلاً ونهاراً، ربّما كان يعبد حتّى أكثر منه، بالنهاية اغتنم الفرصة وسرق الوثيقة في نهاية الأمر، سرق الوثيقة النفطية من العجوز وأحضرها [و] سلّمها للحكومة البريطانية، ومتى التفت مباشرة ذاك الرجل العجوز أنّه لأيّ شخص قد سلّم الوثيقة، فإنّه فَهِم هذا المقدار، أنّ صديقه ذهب والوثيقة غير موجودة، عاش المسكين مع الغصة لمدّة، ولم يمض طويلاً حتّى مات بغصته!

كونوا ملتفتين! [إنّهم][15] ملتفتون لنا! كما أن الملائكة ملتفتون لأفكارنا!! هؤلاء الملعونون ملتفتون، أنّه بعد كم سنة ماذا سنفعل، أفكارنا وما الّذي نريد فعله بعد عدّة سنوات، يجدون طريقه[16]، يعينون الجواسيس، يفهمون جميع تصوّرات وأفكار الإنسان بواسطته!

يجب أن تلتفتوا! فلا حيلة إلاّ أن تعيّروا أنفسكم لله وتتوسّلوا. ليكن القرآن في يد والعترة في اليد الأخرى. العترة، معارفهم في مثل«نهج البلاغة»، [و] أعمالهم في مثل «الصحيفة السّجادية»، [و] أعمالهم التكليفية في مثل هذه الرسائل العمليّة. لا يخرجونكم منهم، بل ميزتنا نحن ـ من بين المسلمين وغير المسلمين ـ هي أنّنا نمتلك أصلين، اللّذين هما نافعان لدنيانا وآخرتنا، لأمر دنيانا، إذا مرضنا أيضاً، إذا حلّ بنا بلاء ما، إذا توسّلنا بهؤلاء يصل إلينا الفرج.

هذا الامتياز خاص بالشّيعة، هذا الموضوع ليس موجوداً لدى أهل السنّة، بل هم لا يسمحون لعلماء الفقه بأن يتدخلّوا في العقليّات[17]، في العقليّات يجب أن يكون المرجع هو أبو الحسن الأشعري أو المعتزلي، وفي الشرعيات يجب أن يكون المرجع مثلاً أبا حنيفة، الشافعي، وأمثالهم. هم يَتعجَبون كيف أن الشّيعة تقول برئاسة شخص واحد للعقليّات والشرعيات معاً[18].

أئمتنا مراجع في المعارف والعلوم العقلية، و كذلك في الأّمور الشرعية والتكليفيّة أيضاً، لكنّهم[19] لا يعلمون أن هذين الأمرين[20] سهلان، [بل] الأئمة لديهم غير هذا: التوسّلات[21] والتحفّظات[22] والتحصّنات[23]. ومنهم [نتعلّم] طريق المناجاة مع الله، وطريق عبودية الله والأعمال ، بل نستطيع باتباعنا لهم أن تستغرق أوقاتنا كلّها في طاعة الله [بنحو] في كلّ ما نقوم به لا يخرج عن الطاعة!

المقصود أن تكونوا أنتم ملتفتين، في هذا العصر الذئاب كثيرة، فإنّهم يشترونكم، لكن فيما بعد بمقدورهم أن يعطوكم طعاماً مسموماً، ويقضون على أمركم، بعد أن استلموا الأمر من أيديكم واستخدمو[كم]، وإن كانوا يعطون للإنسان كلّ شهر المبلغ الّذي لم يكن ليحلم به!

التفتوا! لئلاّ يُضلّوكم! لا يُخرجوكم عن الجادّة[24] فيحرمونكم من الدنيا والآخرة! لو رأوكم عبيدهم الصادقين القانعين، فهو مطلوبهم، لكن بشرط أن تُقتَلُوا في سبيلهم.

أليس نفس البارحة أُخِذَت[25] الجيوش من بغداد إلى لبنان لتقاتل لصالح النصاری ضدّ المسلمين؟ لذلك قام عبد الكريم قاسم بالانقلاب، قال: «نحن نذهب لنقاتل المسلمين، لأنّهم في لبنان لا يعطون الحكم للنصارى؟!». هذا صار سبب قيامه بالانقلاب وتغيير الدولة، وشكّل دولة أخری.

على أيّ حال هؤلاء إلى هذا الحدّ يطلبون منكم، أن تكونوا فدائيين لهم!

نقل في هذه الحرب الأخيرة[26]: أن الانكليز ضحُّوا من أنفسهم [فقط] ببضعة آلاف قتيل، و[أما] البقية جاؤوا بهم من البلدان المستعمرة والهند وأماكن أُخری، إلى الجبهة، [و] لكن نقلوا أن الروس عديمي العقل سقط منهم ثلاثون مليون قتيل، هذا ضحّى من نفسه بثلاثين مليون وذاك ضحى ببضعة آلاف من نفسه، [و] مع هذا، فإن هذا الأحمق[27] اشترك في التقسيم معهم، قالوا بالتثليث، ثلثاً لأمريكا وثلثاً لبريطانيا وثلثاً للروس، هذه سقط منها ثلاثون مليوناً، أمريكا أعطت السلاح والمال، بريطانيا بالحيلة والرشوة ضحت فقط ببضعة آلاف، شيطنة هؤلاء[28] تتناسب مع قلّة عقل أولئك[29] وكانت النتيجة هكذا[30].

بالنهاية، إنّ هؤلاء حاضرون أن نتلفَ لأجل هوى أنفسهم! هل [أنتم] حاضرون لترفعوا أيديكم [و تتخلوا] عن القرآن والعترة؟ إنّهم[31] لا يقبلون أن لا ترفعوا أيديكم عنهما!

 

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

[1] يعبّر سماحته عن الدنيا بالبيت.

[2] أي يوم القيامة.

[3] أي بعد الوفاة.

[4] أي قبل الوفاة و في الدنيا.

[5] يقصد سماحته من الغرفة عالم البرزخ.

[6] يقصد سماحته من الغرفة عالم الدنيا.

[7] أي القيامة.

[8] سورة سبأ، الآية ٣.

[9] أي الأوضاع التي يصدر فيها الخير و الشر عن كل أحد.

[10] أي الرسالة العملية الصحيحة.

[11] أي في الدنيا.

[12] المحلل و المحرم.

[13] أي أن الله سبحانه يعلم أي نيّاتٍ لدينا للقيام بأيّ عمل.

[14] من الإعلام ضد الدين و تبليغ دينهم و الغدر و المكر و الاحتلال و الاستغلال و نهب ثروات البلاد و ... .

[15] ي الجواسيس و أولياؤهم.

[16] أي طريق معرفة إراداتنا.

[17] أي الكلام و العقائد.

[18] أي العقائد و الفقه.

[19] أي غير المتمسكين بولاية أهل البيت R.

[20] أي المعارف و العلوم العقلية و الأمور الشرعية والتكليفية.

[21] في الحوائج.

[22] في السوانح.

[23] في البلايا.

[24] أي الطّريق المستقيم.

[25] الإنجليز.

[26] الحرب العالمية الثانية.

[27] أي الروس.

[28] أي الإنجليز.

[29] أي الروس.

[30] أي أنهم تقاسموا الغنائم فيما بينهم بالتساوي رغم عدم تساوي الخسائر فيما بينهم.

[31] أي الكفّار و الأجانب.