لقد كان لكربلاء المقدّسة، والأجساد الطّاهرة الّتي حوتها تلك التّربةُ الزكيّةُ، والمقامات الخالدة المرتفعة قبابها عالياً، وخاصّة مقام سيّد الشّهداء الإمام الحسين (عليه السّلام)، ومقام صاحب الكفيّن المقطوعتين (عليه السّلام) الّذي له درجة عند الله تعالى يغبطه عليها كلّ الشّهداء يوم القيامة ـ والتّي كان يسكنها الفتى الطاهر «محمّد تقي» ـ فضلٌ كبيرٌ في سبوغ النّعم وحلول البركات ونزول الفيوضات عليه. فضيافة الإمام الحسين (عليه السّلام) لمحمّد تقي كانت استثنائيّة، وذات موائد كبيرة وعوائد عظيمة.
وقد أرى الله تعالى الفتى «محمّد تقي» من الكرامات العالية، والآيات الباهرة في كربلاء، ما لم يشهده أحد من العلماء المقدّسين، أصحاب المقامات العالية والكرامات النّادرة، عندما كانوا في مثل عمره حيث إنّه لم يكن حينها بالغاً، وما خفي منها أعظم ممّا ظهر، وقد أضافه الإمام الحسين (عليه السّلام) في زيارته الأولى لمقامه، حيث أدرك ببصيرته وفطرته ـ الّتي لم يدنّسها بارتكاب المعاصي ـ من الحالات المعنويّة ما قلّ نظيرها، ليعلم أنّ هناك علاماتٍ واضحةً لأهل الله تعالى، فيتعرّف عليها ويقتفي أثرها الكامن في قلبه المحبّ لله عزّ وجلّ ولمحمّد وآله الطّاهرين.
فضلاً عن اهتماماته بالجوانب العلميّة. فقد بقي صاحب العلم الوفير والقابليّات العالية الفتى «محمّد تقي» في كربلاء المقدّسة مهتمّا بدراسته بدقّة وتفان وإخلاص، حيث درس معظم «الرّسائل» و«المكاسب» في كربلاء المقدّسة ـ الّتي كانت أفضل مدرسة لتأسيس الطّالب للاجتهاد، حيث ينهل فيها الأُصول بطريقة علميّة قويّة ومتينة ـ إلى أن اشتدّ بنيانه العلميّ وأصبح مهيّئا للوفادة إلى مدينة النّجف الأشرف، حيث مرقد يعسوب الدِّين وإمام المتّقين عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السّلام)، حيث تمتدّ جذور الحوزة العلميّة المجيدة إلى ألف عام، وهي محطّ رحال العلماء وملتقى الفقهاء ومأوى العرفاء، والّتي تضمّ بين أرجاء حوزاتها العلميّة كبار العلماء المتخصّصين في أبحاث السّطوح والبحث الخارج، ليكمل الطّالب المجتهد «محمّد تقي» ـ الّذي جعل الله تعالى له نوراً يمشي به ـ مسيرته العلمية والعملية، حيث كان منذ نعومة أظفاره يولي العمليّة الدراسيّة اهتماماً قلّ نظيره واستمرّ كذلك في كافة مراحله العلميّة.