مولد كريمة الأطهار (عليهم السلام)

لمعة بهجتية بمناسبة ميلاد السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)
207

تنحني الهامات و تخضع النفوس المطمئنّة إجلالًا، و تشرق الأرواح المزدانة بنور ربّها إعظامًا، لدى الحديث عن عظمة و جلال سيدة عش آل محمّد و كريمة آل طه و ياسين مولاتنا السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليها آلاف التحيّة و الثناء

فهي بنتٌ و أختُ و عمّةٌ للأولياء المعصومين و كفى بهذه شرفًا. و ممّا زادها رفعة و علوّ منزلة أنّها كانت الأصلح و الأعبد و الأزهد و الأعلم من بين نساء زمانها فقهًا و ورعًا و في ذلك يقول اللائذ بضريحها و النازل في جوارها الشيخ المقدس البهجة(البالغ مناه):

«ليست السيّدة المعصومة(عليها السلام) مثل الأولاد العاديّين الآخرين للأئمّة لكي نقتصر عند زيارتها على تلاوة الزّيارة المطلقة الواردة عند زيارة أولاد المعصومين(عليهم السّلام)، بل إنّ لها زيارةً خاصَّة، فقد ورد في الرِّواية: «من زارها وجبت له الجنّة» ([1])، وهذه كلمة عظيمة جداً».

و قد كان سماحته يُوْلي بالغ الأهميّة لزيارة الحرم الطّاهر والملكوتي لكريمة أهل البيت السّيدة فاطمة المعصومة (عليها السّلام) بشكلٍ يومي، حيث كان دأبه حتّى آخر عمره المبارك ـ الّذي توسّط العقد العاشر ـ أن يتشرّف بعد أداء صلاة الصّبح بزيارتها، ويعتزل في زاوية من زوايا الحرم ليختلي هناك خلوة العاشق، ويقرأ بعض الزّيارات والأدعية، ويؤدّي بعض الصّلوات.

و ینقل سماحته فی بیان إتيانها العلم (علیها السلام) و هي طفلةٌ في حياة أبيها الإمام موسى بن جعفر (صلوات الله عليهما):

«عندما كان الإمام الكاظم (عليه السّلام) في المدينة جاءه شخص في مسألة، و لم يكن (عليه السلام) حينها في الدّار، و كانت السيّدة المعصومة طفلة في وقتها، فطلبت من السّائل أن يكتب سؤاله و أجابت هي عنه. و عندما رجع الإمام (عليه السلام) إلى الدار قصّت له أمّها ما جرى، فقال (عليه السلام): «بأبي هي وأمي حكمت بما حكم الله». فهؤلاء لم يكونوا أشخاصًا عاديين، و الله يعلم ما هي[عظمة] شخصيّات هذا البيت، و قد ذُكِرَتْ لهم جميع هذه الكرامات. إذن ماذا يقول أولئك الذين[لا يعتقدون بهذه الكرامات] و يرون أنّ أمثال هذه الكرامات ـ حتّى للنبيّ (صلّى الله عليه و آله) ـ هي مجرّد خرافاتٍ لا أكثر!»

و كان يضيف سماحته حول الصّلاة على جنازتها بعد لحيقها بالرفيق الأعلى:

«نقل حول السيدة فاطمة المعصومة(عليها السلام) ـ و إن كنتُ أنا العبد لا أذكر أين ورد، ربما قد ذكره المرحوم الرّواندي أو أنّي رأيته في مصدر آخر ـ أنّهم عندما جهّزوا جنارة السّيدة فاطمة المعصومة(عليها السلام) جاء فارسان من ناحية الجبل الذي يقع في أطراف قم من القسم الذي فيه قبر الشاه جمال الذي يمكن أن يكون اسمه محمّد الحبيب، و صلّوا عليها و دفنوها عليها السلام و انصرفوا و لم يعرفهما أحدٌ».

و كان يقول أيضًا:

«إنّ سنة 203 هـ.ق هي سنة شهادة الإمام الرضا(عليه السلام) و سنة 201 هـ.ق وفاة السيدة المعصومة (عليها السلام). الله أعلم أيّ بركات هي للشيعة بسبب الوجود الشريف للسيدة المعصومة (عليها السلام) في قم و [كذا] سائر أبناء الأئمّة (عليهم السلام)».

و لم يكن سماحته يقتصر على زيارتها (عليها السلام) بنفسه بل كان يوصي و يحث الآخرين على زيارتها لما فيها من تعظيم و مودّة لذي القربى عدا عمّا في الزيارة من عوائد على نفس الزائر، حيث ينقل أحد تلاميذ آية الله الشّيخ البهجة (البالغ مناه) عن آية الله السيّد الكشميري(قدّس سرّه):

«في أحد الأيّام في مدينة قم قُرع باب المنزل أول الصّباح، فتحت الباب، رأيت أنّه آية الله العظمى الشّيخ البهجة. بعد تناول الفطور، قال سماحته: قل لعيالكم الكريمة أن تحضر ـ والّتي كانت ابنة آية الله الشّيرازي أُستاذ آية الله العظمى الشّيخ البهجة ـ وبعد السّؤال عن أحوالهم والدّعاء لهم، قال سماحته: «إنّ السّيدة المعصومة منزعجة لأنّكم ما ذهبتم لزيارتها!. يقول آية الله الكشميري: دقّقت فرأيت أنّه صار لنا مدّة ونحن راجعون إلى قم ولكن لم أستطع أنا وعيالي أن نذهب إلى الحرم!»

و كان سماحته يرى أنّ تشييد و إعمار مقام السيدة المعصومة (عليها السلام) هو مصداق لتعظيم شعائر الله و في هذا ينقل آية الله الشّيخ علي أكبر المسعودي الخميني الأمين العام لحرم السيّدة المعصومة (عليها السّلام):

«في أحد الأيّام تفقّدتّ القبّة من الدّاخل مع أحد الأشخاص، فرأيت أنّها قد تشقّقت وقسم منها أصبح منتفخاً، فقلت لذاك الشّخص: ألا يمكن إصلاح ذاك؟ فقال: كلفتها نحو أربعة مليارات تومان وتستغرق مدّة أربع سنوات، فقلت: لا نملك المال ولا العمر بيدي. مرّت مدّةٌ، ذهبت لمحضر آية الله الشّيخ البهجة حتّى أسلم لسماحته بعض الحقوق الشّرعيّة، بمجرّد أن جلسنا وبدون أن أقول شيئاً، قال سماحته: هذه القبّة خربة، متشققّة، لماذا لا تصلحونها؟ فتعجبّت من قول سماحته، لأنّي كنت أنا قد رأيتها من قرب، لكن سماحته من أين علم؟

بعد لحظات قال: الله يوصل تكلفتها! قلت: إن شاء الله. لحظات أُخرى قال سماحته: الله يعطي العمر أيضاً! فقلت: على عيني.

فنادى آية الله الشّيخ البهجة ولده الشيخ عليّاً قائلاً: «تعال يا سيد علي! هات خمسة ملايين تومان لأجل القبّة، قلت: تحتاج لأربعة مليارات تومان! تحتاج مائتين وأربعين كيلو غراماً من الذّهب! فقال سماحته: إنّها تصلح! مرّت بضعة أيّام راجَعَنا نجلُهُ الشّيخ علي وقال: إن والده يقول: لماذا لم تبدؤوا؟ إنّها تصلح! ومرّة أخرى أمر سماحته بدفع عشرة ملايين تومان أخرى وأعطانا إيّاها الشّيخ علي، ولكن بقيتُ متحيّراً ماذا أفعل، لكن كان في ذهني أنّ ما يقوله سماحته هو شيء آخر، إلى ما بعد شهر أو شهرين، كنت في مكتبي وأنا قلق جدّاً، من جهة كلام الشّيخ البهجة الذي كنت أعلم أنّه لا يتكلّم دون نظر ثاقب وحكمة، ومن جهةٍ لا نملك المال الكافي، فجأة رنّ هاتف مكتبي وكان المتّصل يقول: لقد جاء شخص يريد شراء المبنى التّجاري التّابع للحرم، والّذي يقع في طهران، وكان هذا على رغم مرور زمن طويل ولم يتقدّم أحد لشرائه، واشتراه من الأمانة العامّة للحرم بمبلغ ثمانمائة مليون توماناً فاتّصلت برئيس الجمهورية، وقلت له: إنّنا نريد شراء ذهبٍ بقيمة منخفضة لأجل قبّة السيّدة المعصومة (عليها السّلام)، وهو بدوره أحالني إلى رئيس البنك المركزي، وبهذه الثمانمائة مليون اشترينا مائتين وأربعين كيلو غراماً من الذّهب وبشكل لا يصدّق، تمّ العمل من إصلاح وتذهيب قبّة السيّدة المعصومة (عليها السّلام)، بل زاد كميّة من الذّهب تمّ فيها تجديد التّذهيب في إيوان الصّحن القديم، والّذي كان قد مرّ عليه زمن طويل وكان قد تغيّر لونه، وكذلك إضافةً إلى تذهيب منارة السّاعة في الحرم والمقابلة للمدرسة الفيضيّة».

ما تقدّم هو غيض من فيضٍ، من القلب النابع حبّا و ولاءً لكريمة أهل البيت (عليهم السلام).

 

[1] ـ بحار الأنوار 48/317، 99/267.