من فضلكم هل لكم أن تبينوا لنا في أي سنة تعرّفتم على سماحة آية الله العظمى الشيخ البهجة (البالغ مناه) و كيف تم هذا التعارف؟
بعد عام 1985 ميلادية تقريباً، كنّا نذهب على شكل وفود إلى الجمهورية الاسلامية في إيران، و في ذلك الوقت كان عمري حوالي خمسة و عشرون سنة، ستة وعشرون سنة و كنا نلتقي مع الإخوان المسؤولين في الجمهورية الاسلامية من أجل متابعة شؤون لبنان و شؤون المنطقة و بالخصوص مسائل المقاومة في لبنان. و لقد كنا على شكل وفد من مسؤولي وقيادي حزب الله في ذلك الوقت، و في السفر الأول عندما قلنا لبعض الأخوة المسؤولين نريد أن نتشرف بزيارة قم، فبمن نلتقي، و بمن لا نلتقي، لأن معلوماتنا كانت عن قم قليلة جداً و محدودة جداً. هم قالوا و أكّدوا أنه قطعاً إذا تشرّفتم بزيارة قم فتشرّفوا بزيارة سماحة آية الله العظمى الشيخ البهجة رحمة الله عليه، قدّس سرّه الشريف. و قد كان ذلك في حياة الإمام الخميني رضوان الله عليه حيث ذهبنا لأول مرة [إلى ايران]، و كنت أنا جزء من مجموعة من مسؤولي حزب الله و كنت أنا أصغرهم سناً. و كان الشهيد السيد عباس الموسوي رحمة الله عليه و آخرين. و استقبلنا سماحته و جلسنا في خدمته، و أنا منذ اللقاء الأول شعرت بهيبة كبيرة في هذا اللقاء و في هذا المجلس. حتى كان في بالي و في بال عدد من الأخوة مجموعة من الأسئلة، لكن عندما صرنا في حضرة سماحة الشيخ نسينا كل الأسئلة! و أغلب الجلسة كان سماحته ساكتاً ينظر إلينا و نحن لا نستطيع أن ننظر إليه. و أثناء الجلسة سأل الشهيد السيد عباس رحمة الله عليه أو أحد الأخوة، لا أذكر بالضبط من، عن بعض التوجيهات. و سماحته أكّد على نفس هذه التوجيهات الموجودة في كتاب الناصح، أي التأكيد على أن تعملوا بما تعلمون، اجتناب المعصية، الصلاة في أول الوقت، الإكثار من الصلاة على محمد و آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و الإكثار من الاستغفار، هذا ما أذكره. و كان هذا يتكرّر في اللقاءات اللاحقة أيضاً. هذه كانت بداية المعرفة، المعرفة عن قرب و بشكل مباشر.
يعني عندما كنا نذهب في هذه الوفود في السنة أو السنتين مرة كنا نذهب بشكل كامل و رسمي. و كان لدينا التزام أنه عندما نتشرف بزيارة قم نذهب قطعاً لزيارة سماحته. في بعض الزيارات لم يحصل لقاء مع سماحة الشيخ (رض) بسبب تواجد سماحته في مشهد. لكن غالباً حسب ما أذكر عندما كان سماحته في قم كنا نحظى بشرف اللقاء.
حتى كان في بالي و في بال عدد من الأخوة مجموة من الأسئلة، لكن عندما صرنا في حضرة سماحة الشيخ (قده) نسينا كل الأسئلة! أغلب الجلسة كان سماحته ساكتاً ينظر إلينا و نحن لا نستطيع أن ننظر إليه
ما الذي كان سبباً لانجذابكم و تعلّقكم و محبّتكم لسماحة الشيخ رغم أنه كان يتجنب الشهرة إضافةً إلى أنّنا نعرف أنّ سماحته كان كنزاً مخفياً؟
من المفيد هنا أن نتحدث عن سابقة تاريخية فيما يتعلق بمسائل العرفان و السير و السلوك و هذا المسير المعنوي. هذه الأمور لم تكن متداولة كثيراً بين الطلبة اللبنانيين. لأنهم غالباً كانت دراستهم في النجف الأشرف وكانوا يدرسون باللّغة العربية طبعاً. ولذلك لم يكونوا على اتصال مع العلماء الايرانيين أو الذين يتكلّمون أو يدَرّسون باللغة الفارسية، إلّا القليل من العلماء اللبنانييّن الذين كان لديهم هذا الاتصال. لكن الأعم الأغلب لم يكونوا كذلك أو الّذين يدرسون في الحوزات العلمية في لبنان، لم يكن هناك اهتمام بهذه الجوانب.
وكان التركيز غالباً على الفقه و الأصول والحديث وعلم الكلام و التفسير، لكن كل ما يرتبط بالعرفان والسير و السلوك وأيضاً بالفلسفة عموماً فالطلاب اللبنانيون كانوا بعيدين عنه إلى حين انتصار الثّورة الاسلاميّة في إيران و طلوع شمس الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه على العالم، حيث لم يعد محجوباً في النجف الأشرف. و نحن جميعاً تأثّرنا بشخصيّة الإمام رضوان الله عليه. وفي تلك الفترة، أنا ممّا أدّعيه بأنّ العلاقة بين قلوب المسلمين و خصوصاً جيل الشباب المؤمن و المجاهد مع الامام الخميني كانت علاقة مباشرة بدون وسائط. فلا يستطيع أحد أن يّدعي على سبيل المثال أنّه في لبنان هو كان الواسطة في تعريف الإمام إلى الناس أو ربط الناس بالإمام و إنما هذه المعرفة كانت معرفة مباشرة. لذلك أنا اسمّيها طلوع شمس الامام، و الانسان ليس هناك واسطة بينه و بين الشمس. و تعرّفنا على الامام و شخصيته من بعيد و أنّ الامام من أهل هذا المسلك وهو رجل عارف كبير ولديه كتب في المجال الأخلاقي و العرفاني و السير والسلوك فعشقاً بالامام و للامام أصبحنا نعشق هذا الطريق و نعشق كل من ينسب هذا النوع من الفكر أو المعرفة أو السير إليه أو ينسبون إليه. أجل عندما ذهبنا نسأل في إيران عن عالم ربانيٍ عارفٍ شامخٍ مأمونٍ موثوقٍ، لأنّه كما تعرفون وللأسف الشديد في تلك المرحلة بعض الأشخاص ادّعوا لأنفسهم مقامات و درجات، و هذا الطريق مليء بالمخاطر والأبالسة، وأنت هنا تتعاطى مع موضوع يرتبط بآخرتك و دينيك و مصيرك و علاقتك مع الله سبحانه و تعالى، فالخطأ يمكن أن يكون خطأً قاتلاً وغير قابل للجبران، ولذلك يجب أن تبحث عن المرشد الذي يكون لديك ليس فقط ثقة به واطمئنان له وإنّما تحتاج الى يقين بأنّك إذا جلست معه أو استمعت إلى نصائحه فإنّه يأخذ بيدك إلى الله سبحانه و تعالى بدون أي شبهة أو ترديد. وباعتبار أنّنا ما كنا نعرف العلماء في إيران لأنّه اصلاً لم نذهب الى ايران قبل انتصار الثورة الاسلامية لا أنا ولا الكثير من إخواني الذين نعمل سويّاً، كنّا نسمع من المحيطين بالامام الخميني رضوان الله تعالى عليه عندما نسألهم إلى من نذهب، إلى من نصغي، و نصائح من نأخذ، كانوا يشيرون الى سماحة الشيخ البهجة (رض). هذا كان السبب لأن نصبح مجذوبين إليه منذ اللقاء الأول. و بعد ذلك لم نحتاج أن نسأل ونتوثّق. أنت من الّلقاء الأول تشعر أنّه ملك قلبك و روحك، وهذا ما شعر به كلّ الأخوة الذين كنّا سويّاّ في ذاك اللقاء.
ما هي أسباب توّجه سماحة الشيخ البهجة (رض) إليكم و اهتمامه بكم؟
يعني أنا ليس لديّ تفسير محدّد. طبعاّ هذا ممّا نفتخر به أنا والأخوة في حزب الله. عندما كان يقال له عنّا، بالحدّ الأدنى هو كان لا يعرفنا ولا يعرف أسماءنا بحسب الظاهر. و عندما قُدمنا له، قُّدمنا كمجموعة من حزب الله في لبنان الذين يقاتلون اسرائيل ويجاهدون في سبيل الله بحسب الظاهر. و نحن نشعر أنه قبلنا لأنّنا ننتمي إلى هذه الحركة الاسلامية الايمانية الجهادية والملتزمة بقيادة الامام الخميني في ذلك الوقت. يعني أنا أميل إلى هذا التفسير أكثر. وحتى عندما كنّا نجلس معه، كنا نشعر بارتياحه، يعني أحياناً أنت تكون في حضرة شخص و هو قد يتعب من الجلوس مع هذه المجموعة أو يعطي إشارات أنه كفى، قوموا! لكن هذا لم يكن يحصل حيث نحن كنا نجلس. و لكن الأخوة كانوا عندما يشعرون أنّنا أطلنا في الجلوس هم كانوا يبادرون. وأنا أذكر أنّنا كنّا لوحدنا في هذه اللقاءات، يعني عندما ندخل إلى الغرفة لنتشرّف إلى محضره كان لا يٌؤذن لأحد آخر أن يدخل الى لقاءاتنا، هذا ما أذكره. طبعاً فيما بعد، أنا كنت أذهب وحدي في بعض اللقاءات، يعني لم نكن وفداً، فمثلاً كنت أنا أذهب إلى قم ليس بعنوان وفد حزب الله، و كنت أطلب موعداً من سماحته من خلال بعض الأصدقاء الموجودين في قم، و كان سماحته يعطيني موعداً و أذهب إليه و آخذ بعض الطلبة اللبنانيين ليستفيدوا من محضر لقائه.
وكنا نصغي إلى كلمات سماحته، وكان هذا بمثابة الزاد الروحي، فنشعر لمدة طويلة بالراحة النفسية، بالطمأنينة، بالثقة، و باليقين. فكانت كل كلمة نسمعها من سماحته تترك أثراً، و تملأ الفراغ الموجود عندنا و لعلّ هذه أيضاً من مميّزات سماحته (قده)
كان سماحته المنبع الروحي والأساسي والحقيقي لنا خلال كلّ الفترة الماضية.
سماحة السيد، كيف تصفون تأثير شخصية سماحة الشيخ البهجة (البالغ مناه) على شخصيتكم و حياتكم الخاصّة كأنتم كسيّد حسن نصر الله؟
يعني أنا ومجموعة من الأخوة هنا في لبنان كنا متعطّشين جداً لنعرف، لنفهم، لنتعلّم، لنستهدي، و لنسترشد. طبعا نحن كنّا نقرأ الكتب، و لكن وجود الشخص الذي تجلس في محضره و يرشدك وأنت تعتقد بأنه هو إنسان كامل، و انسان واصل، و قد طوى كل هذه المراحل، أي لديه العلم و المعرفة، و لديه التجربة أيضاً. هو ليس يتكلّم من موقع فكري فحسب، بل البرهان و الوجدان، يعني هو مشى في هذا الطريق. فكانت كل كلمة نسمعها من سماحته تترك أثراً، و تملأ الفراغ الموجود عندنا، بمعزل عن حجم هذا الفراغ. وكنا نصغي إلى كلمات سماحته و نحاول أن نعمل بها ما استطعنا، وكان هذا بمثابة الزاد الروحي، فنشعر لمدة طويلة بالراحة النفسية، بالطمأنينة، بالثقة، و باليقين. و لعلّ هذه أيضاً من مميّزات سماحته التي انعكست على عملنا في حزب الله أنّه بالرغم من كلّ الظروف الصعبة، إنّ من مميّزات حزب الله التوكّل على الله سبحانه و تعالى، الثقة بالوعد الإلهي، اليقين بالنصر الإلهي، اللجوء الى الله، و الاستغاثة والتوسل. وهذا كلّه كنّا نستمع إليه من سماحة الشيخ (رض)، و بالعبارات البسيطة التي كان يقولها لأي شخص، بالمقدار الذي كنّا نفهمه ونحاول أن نترجمه. أستطيع أن أقول كان سماحته المنبع الروحي والأساسي والحقيقي لنا خلال كلّ الفترة الماضية.
كنا نرى أنّ قائدنا ووليّ أمرنا سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي دام ظله الشريف يحرص بشدّة عندما يتشرف بزيارة قم، على اللقاء مع سماحة الشيخ قدس سره و الاستزادة منه. و قلنا إذا كان قائدنا يذهب في خدمة سماحة الشيخ (رض) ويسأله ويستفيد منه ويسترشد بتوجيهاته، فكيف بنا نحن جنود وأتباع هذا القائد؟!
هل كان لسماحة الشيخ البهجة (قدّس سرّه) تأثير على المقاومة و على حزب الله على وجه الخصوص في لبنان؟ و كيف كان هذا التأثير؟ هل لكم أن تبينوا ذلك لو سمحتم؟
المسؤولون الأساسيون في حزب الله كلّهم كانوا يذهبون في خدمته، عندما تتوفر لهم أي فرصة. طبعاً لم يكن هناك فرصة لأن تٌرسل إليه شباب حزب الله وجماعات كبيرة و عديدة، لأنً هذا غير متيسّر. فوقت الشيخ لا يسمح و ظروفه لا تسمح، و نحن لم نكن نريد أن نزاحمه كثيراً. لكن هنا في لبنان، عندما كنا نعود و ننقل توجيهات و ارشادات و توصيات سماحته لكادر حزب الله، كانوا طبعا يهتمّون بدرجة كبيرة. أو احياناّ كان يُنقل إلينا بواسطة بعض إخواننا الطلبة اللبنانيين أو الأخوة الايرانيين الذين كانوا يذهبون و يأتون الى لبنان، فكنا نثق بنقولاتهم، و كان الأخوة يسجّلون هذه الملاحظات و التوصيات و أيضاّ يعملون بها ويحرصون على العمل بها. نعم، يعني هو في الحقيقة كان سماحة الشيخ (قده) أباً معنوياً ونحن كنا أيضاً ننظر إليه كأب معنوي. وهذا الأمر تعزّز أكثر بعد رحيل الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، عندما كنا نرى أنّ قائدنا ووليّ أمرنا سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي دام ظله الشريف يحرص بشدّة عندما يتشرف بزيارة قم، على اللقاء مع سماحة الشيخ قدس سره و الاستزادة منه. و قلنا إذا كان قائدنا يذهب في خدمة سماحة الشيخ (رض) ويسأله ويستفيد منه ويسترشد بتوجيهاته، فكيف بنا نحن جنود وأتباع هذا القائد؟! فالأمر كان أقوى، و هذه الأبوة المعنوية و الروحية والارتباط المعنوي لعلّه قوي أكثر بعد رحيل سماحة الامام الخميني قدس سره الشريف.
فضيلة السيد، خلال زياراتكم لسماحة الشيخ البهجة (قدّس سرّه)، ما هي التوصيات و النصائح التي بينها لكم سماحته ؟ من فضلكم هلاّ ذكرتموها لنا.
في جانب، كانت التوجيهات الشخصية التي كنّا نحن نسأل عنها. أيضاً، في اللقاءات التي كنت أنا المسؤول فيها أو الأخوة قبلي، كنا نحرص على تقديم تقرير مختصر حول أوضاع لبنان، أوضاع المؤمنين في لبنان، و أوضاع المقاومة، و كان سماحته يصغي بدقة، و أحياناً كان يعطي بعض الارشادات و الملاحظات . على سبيل المثال: موضوع التأكيد على الجانب الايماني و الثقافي و العقائدي و العمل عليه. و طبعاً هذا صار موضع اهتمام حزب الله بدرجة كبيرة جداً. أيضاً في الموضوع المالي، كان سماحته يقول: « أن أبقوا شيئاً من باب الاحتياط للأيام الصعبة ». ونحن كنا نفعل ذلك عموماً، و حتى الآن ما زلنا بعون الله تعالى نبقي شيئاً للاحتياط للأيام الصعبة و الظروف الصعبة. أمّا بقيّة الأمور فكانت حول الجانب الشخصي. مثلاً: باب الزيارات و باب العبادات، و الاهتمام بالمسائل العلمية حيث كان يؤكد عليّ و على بعض الأخوة موضوع التحصيل العلمي و الدرس والتدريس وكذا. و نحن كنا نحاول، لكن أحياناً يتعذّر هذا الأمر علينا بسبب الظروف، مثلاً أنا صحيح لا أتمكّن من الدرس و التدريس بالمعنى الخاص، و لكنّي حريص جداً على قراءة الكتب العلمية. هذا غير الكتب الثقافية التي تحتاجها أي الكتب العلمية الحوزوية، و ما يصدر من كتب قديمة وحديثة. و أيضاً ببركة الكمبيوتر، أستمع إلى دروس بحث الخارج لسماحة السيد القائد حفظه الله ولبعض المراجع الآخرين. يعني نحاول أن نبقى على تواصل في الموضوع العلمي وهذا كان من النقاط التي سماحته أشار إليها في بعض اللقاءات.
و سماحة الشيخ البهجة هو أبونا ومرشدنا ونحن ننظر إليه على أنه بهذا المقام العالي والشامخ، بل كنا لا نرى له نظيراً
لقد أرسل سماحة الشيخ البهجة لكم رسائل خاصة مرتين. لو سمحتم، حبذا لو تبينوا لنا ما كان في هاتين الرسالتين.
قبل حرب «33 يوم» بعدة أشهر، أحد الأخوة الطلاب اللبنانيين يدرس في قم جاء، وأنا الآن نسيت إن هو أخبرني مباشرة أو أخبر أحد إخواننا وهو نقل لي، قال أنّ سماحة الشيخ البهجةحفظه (قده)، يقول لك أنّه من الآن فصاعداً أنت تلتزم بهذا الدعاء: « اللهم اجعلني في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد ». تقرأه ثلاث مرات في الصباح و ثلاث مرات في المساء. أنا وقتها سألت: « هل هناك من شيء؟ هل هناك سبب؟»، فقال: « أنا لا أعرف، فقط قال لي سماحة الشيخ أنت اذهب و أوصل لفلان هذا الذكر». طبعاً طبيعة الدعاء تشير إلى الجانب الأمني، إلى جانب الحراسة و الحفظ والانتباه. و نحن على كل حال ظروفنا معروفة في لبنان أنّها صعبة بسبب التهديدات الأمنية واحتمال القتل حيث قتل إخواننا سابقاً. وأميننا العام الشهيد عباس رحمة الله عليه استشهد هو وزوجته و طفله الصغير. و من الطبيعي أن يشعر الانسان بالخطر. لكن في ذاك التوقيت أنا قلت لعله يوجد شيء، وذهب ذهني أكثر للموضوع الأمني، يعني احتمال اغتيال أو تفجير أو ما شابه ذلك. لكن بعد أشهر قليلة حصلت الحرب . والاسرائليون في الحرب منذ اليوم الأول كانوا يبحثون عن أي طريقة ليجدوني فيها و يقصفون المكان الذي أنا أتواجد فيه. و بعض عمليات القصف العنيفة جداً والضخمة جداً التي حصلت في حرب 33 يوم، بحسب قول الاسرائيليين، كانوا يفترضون أو لديهم معلومات أنني أنا متواجد في هذا المبنى مثلاً فيقوموا بقصفه بشكل عنيف جداً. بعد وقت، فهمت أنّه لعل هذا الذكر له علاقة بالحراسة و الحماية في زمن الحرب، وليس قبل الحرب بالاعتبارات الأمنية. أما في زمن حرب 33 يوم 2006 للميلاد، طبعاً كانت الظروف قاسية جداً و صعبة جداً، و كما تذكرون في تلك الحرب كان تقريباً العالم كله، العالم المستكبر قد احتشد علينا. و حتى الكثير من دول المنطقة كانوا يؤيدون هذه الحرب و حتى داخل المجتمع اللبناني كان يوجد خلاف، كان هناك من هو بالحدّ الأدنى لا يدعمنا بل ينتقدنا . لا أريد أن أقول أنهم كانوا مع العدو، لكن بالحد الأدنى لم يكونوا معنا و كانوا ينتقدوننا و كنا نشعر بغربة حقيقية وبحصار كبير. وحتى بحسب الظاهر عندما نلاحظ العوامل المادية والسياسية والعسكرية والميدانية، ليس من السهل أن يتكلم الانسان عن انتصار. بل لعلّ الشيء الغالب على الكثير من الأخوة و المسؤولين في لبنان كان أنّ ما ستنتهي إليه هذه الحرب قد يكون هو كربلاء و ليس بدر أو خيبر على سبيل المثال. لكن أنا هنا أسجّل لشخصيتين، الأولى لسماحة الشيخ البهجة قدس سره الشريف أنّه في الأيام الأولى أرسل لي، و أنا صدقاً لا أذكر الآن من الذي نقل لي لأنه في زمن الحرب كنا مشغولين جداً والنقل الذي حصل غير مباشر يعني هذا الأخ الذي جاء من قم اتصل بأحد إخواننا، وهذا الأخ أخبر أحد الاخوة الذين كانوا معي و هو بدوره قال لي أنّ سماحة الشيخ البهجة يقول لك و لكم أن كونوا مطمئنّين، وأنتم ستنتصرون في هذه الحرب إن شاء الله. وطبعا هذا الكلام بالنسبة لنا أعطى دفعاً معنوياً هائلاً، لأنّنا نثق ونؤمن بسماحة الشيخ البهجة(رض). وفي الوقت الذي كان لا يبدو أي أفق لاحتمال أو فكرة الانتصار، وأنا هذا الأمر ذكرته في ذاك الوقت للأخوة الذين يعرفون سماحة الشيخ البهجة (رض) و لصفّ المسؤولين، وأنا قلت لهم جاءني شيءٌ من سماحة الشيخ و هو يقول أن لا تقلقوا و لا تخافوا أنتم ستنتصرون في هذه المعركة إن شاء الله. وهذا كان تقريباً في الأسبوع الأول من الحرب، يعني كانت الظروف كلها قاسية وصعبة.
والشخصية الثانية هي سماحة القائد حفظه الله، هو أيضاً في الأسبوع الأول للحرب أرسل لي وقال أنّ هذه حرب أشبه بحرب الأحزاب و ستبلغ القلوب فيها الحناجر، وتظنون بالله الظنون، ولكن توكلوا على الله واثبتوا و أنتم ستنتصرون في هذه الحرب بل ستصبحون بعدها قوة إقليمية. و أنا على سبيل المزاح قلت للأخ الذي كان ينقل أي أحد المسؤولين الكبار الذي جاء إلى بيروت و نقل لي هذا الكلام عن سماحة السيد القائد، قلت له: « نحن يكفينا أن نخرج من هذه الحرب سالمين و لا نريد ان نصبح قوّة اقليمية».
فجاءتنا البشارة منهما و هذا بالنسبة لي ولأخواني شكّل دفعا معنويا و ايمانيا وروحيا هائلا، و سماحة الشيخ البهجة هو أبونا ومرشدنا ونحن ننظر إليه على أنه بهذا المقام العالي والشامخ، بل كنا لا نرى له نظيراً بعد رحيل الامام الخميني رضوان الله عليه. عندما تأتينا في الأيام الأولى بشارة بهذا الحجم و بهذا المستوى من هذين الموقعين، فهذا كان له تأثير حسن في الحرب ولذلك نحن كنا نواصل الحرب رغم كل الظروف الصعبة بيقينٍ بالنصر. لم يكن عندنا أي تردد أننا سنخرج من هذه الحرب منتصرين إن شاء الله. هذا ما وصلني من سماحته أثناء الحرب و قبله.
بعد استشهاد نجلكم السيّد هادي نصر الله (رحمة الله عليه)، بعث سماحة الشيخ البهجة (قدّس سرّه) لكم رسالة تعزية، رغم أنه كان معلوماً أن سماحته لا يجامل أحداً أو يخضع لعلاقات مجاملات. فما توصيفكم لهذه الرسالة؟
لا، أنا لا أذكر بالتفصيل لأنّه في ذاك الوقت كان يوجد عليّ ضغوط كثيرة و جاءت برقيات كثيرة، وأنا عندما ذهبت بعدها إلى قم، قمت بزيارته و تشرفت بلقائه، و شكرته على هذه العناية الأبوية.
سماحة السيد، عندما تلقيتم خبر رحيل سماحة الشيخ البهجة (قدّس سرّه)، كيف تأثّرتم بهذا النبأ؟ و ما هو الأثر الذي خلّفه فيكم؟
طبعاً تأثّرنا كثيراً، نحن شعرنا بخسارة فادحة. نحن من جهة كنا دائماً نشعر أنه هو النبع الصافي و العين الطاهرة التي يمكن أن تلجأ إليها بشكل دائم. و ثانياً، كنا نعتقد أنّ نفس وجوده المبارك حتى لو لم يفعل شيئاً، فقط يكفي أن يدعو لنا و لكل المؤمنين والمجاهدين. كان سماحته يشكّل سنداً قوياً على المستوى الروحي و المعنوي. شعرنا أننا فقدنا هذا السند، لكن الذي يخفف المصاب هو أننا نعتقد بأنه في حياته في العالم الآخر بل إنّه بدعائه وتوجهه في العالم الآخر فيما يرتبط بهذه النقطة و هذا الجانب، يمكن أن يكون مفيداً أكثر للمؤمنين و لأحبائه و عشاقه.
سماحة السيد، هل شاهدتم بنفسكم كرامة من سماحة الشيخ البهجة (قدّس سرّه)؟ إن شاهدتم كرامة من سماحته فمن فضلكم بيّنوها لنا إن ترون في ذلك مصلحة.
أنا أذكر قصتين، لهما علاقة بالاستخارة.
القصة الأولى مهمة جداً بالنسبة لي أنا شخصياً. في عام 1989 ميلادية أي بعد وفاة الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه وبعد أن أصبح سماحة القائد قائداً للمسلمين وللأمة في ذاك الوقت، لم يكن لدى تشكيلات حزب الله شيء اسمه الأمين العام لحزب الله. كان يوجد لدينا شورى بدون رئيس، يعني حتى مدير للشورى لم يكن موجوداً، كان هناك فقط أمين سر. و الأخوة في تلك المرحلة و أيضاً بتوجيهات من سماحة السيد القائد حفظه الله قالوا بأن يجب أن يتطور عمل حزب الله ويصبح لديه أمين عام، يتحمل مسؤولية، يتحدث مع الناس، و يلتقي بالمسؤولين. طبعاً الأمين العام لحزب الله هو ليس قائد حزب الله، و إنما له صلاحيات جيدة، ولكن هو مدير حزب الله بحسب التراتبية. مثلاً الشخص الأول الذي يٌراجع و يُتصل به و يتابع تنفيذ قرارات القيادة الجماعية. وكان هذا أمراً جديداً و ظروف لبنان ظروف معقدة جداً و حساسة جداً، و هنا نحن لا نتحدث عن عمل اجتماعي أو ثقافي أو تبليغي، بل نتحدث عن معركة و حروب و قتال ودماء وأموال وأعراض و هدم بيوت، و أيضاً صراعات سياسية قاسية و حادة. والأخوة فيما بينهم قالوا: « حسناً ». أي اتفقنا على المبدأ. كنا موجودين في طهران في ذاك الوقت وجلسنا و كنت أنا أصغرهم سناً. وبينهم كان من هو أستاذي. كانوا أساتذتي في مراحل السطوح بالحد الأدنى. و كان يٌفترض أن يتولى هذه المسؤولية الجديدة أحد الأخوة المعروفين، إما الشهيد عباس الموسوي رضوان الله عليه أو أخونا الشيخ صبحي طفيلي أو أخ آخر. لكن عندما جلسوا فيما بينهم وصلوا إلى نتيجة هي أنّه من الأفضل أن نطلب من فلان، أي أنا، أن يقبل هذه المسؤولية. و جاؤوا إليّ و تكلّموا معي بشدة. و أنا قلت لهم: « لا أستطيع، أولاً أنا أصغركم سناً و فيكم من هو أقدم و أكبر». و أنا أفصّل القصة لأنّ جواب سماحة الشيخ كان حاسماً في هذه المسألة. و قلت أيضاً:« و بعضكم أساتذتي و أنا أخجل أصلاً أن أدير جلسة أنتم أعضاؤها، أو أن أدير حزب أنتم في قيادته، أنا لا أستطيع لا شخصياً ولا أخلاقياً، ولا أرى نفسي كفؤاً لأتحمل هكذا مسؤولية. المهم، هم أصروا بشكل شديد. فأنا قلت لهم: « حسناً، أنا أخشى إن قبلت معكم غدا أنتم تتركونني، أنت تجلس في مكتبك وأنت في بيتك، و تتركوني أنا أتحمل كل هذه المصائب لوحدي، أنا أستطيع ». هذا التفصيل مهم! فهم قالوا :« نحن نعدك أننا سوف نساعدك ونكون معك، و لن نتخلى عنك، فقط أنت اقبل المسؤولية ». فأنا لم أقبل، و تجادلنا ساعات طويلة. أنا قلت مستحيل هذا لا يمكن. في نهاية المطاف، تعرف نحن المتدينين عموماً خصوصاً الطلبة، يوجد عندنا مخارج، المخرج هو الاستخارة. و هم قالوا:« حسناٌ، نحن لن نذهب حتى تقبل، وطالما أنت لا تقبل، بيننا و بينك الاستخارة فنستخير الله ». أنا أيضاً وجدت أنّه قد يكون هذا باب فرج لي لأنّني أريد أن أهرب من تحمل هذه المسؤولية و هم يريدون أن يلزموني بها. فقام أحدهم و قال: « حسناٌ، لنأتي بالقرآن و نستخير». فقلت لهم: « لا، هذا أمر حساس، أنا لا أقبل استخارتكم». فقالوا: « أنت استخر»، قلت لهم: « لا». و انتهينا من النقاش و كانت الساعة الثانية عشرة ليلاً في طهران. و أنا قلت لهم: « أنا الليلة أرسل أحد الأصدقاء إلى سماحة الشيخ البهجة (قدس) و أطلب منه استخارة. طبعاً أنا لم أذكر ما هو البحث، ما هي المسألة، ما هو التفصيل ..اتصلت بأحد الأصدقاء في قم، و هذا الأخ كان غالباً معي عندما أذهب إلى سماحة الشيخ. و سماحة الشيخ. أجل لم أقل له ما هي المسألة، و قلت له: « أرجوك أنت اذهب إلى سماحة الشيخ البهجة (رض) و صلّ الصبح في المسجد لأنّ الأخوة عند إشراقة الشمس يريدون مني جواب و قل له فلان الفلاني بالاسم يعني (أنا) يسلم على سماحتكم و يطلب استخارة لأمر مهم جداً ». فقط هذا ما قلته. والأخ الوسيط لا يعرف شيئاً، أصلاً ليس له سابقة و تصور أنه موضوع شخصي معيّن، فهو ذهب و صلى خلف سماحة الشيخ وطلب منه الاستخارة. واتصل بي قبل طلوع الشمس و قال أنّ سماحة الشيخ يسلّم عليك و يقول لك و هنا الجواب الغريب العجيب: « لا تقبل منهم ما يعرضون عليك، وبعض الذين يقولون لك و يعدونك أنهم سيقفون إلى جانبك و يساعدونك لن يفعلوا ذلك ». طبعاً، أنا أتوقع جواباً استثنائياً وخاصاً من سماحة الشيخ، و لكن هذا يعني أنه كان معنا في الجلسة. يعني هذا تفصيل أنه أنا قلت لهم أنتم تتركونني وهم يعدوني بأن يبقوا معي و هو يقول أنّ بعض هؤلاء الذين يعدونك لن يفوا لك بوعدهم أي لن يفعلوا ذلك، فبأي شكل لا تقبل منهم». وعندما جاؤوا إليّ، قلت لهم بكل صراحة وما أخفيت الجواب، وما جاملتهم، حتى الذين يعدون ولا يريدون الوفاء بالوعد يعرفوا أنهم مكشوفون لسماحة الشيخ. فأنا قرأت لهم الجواب. وهم تعجبوا جداً، وانتهى البحث، و لم يعودوا يناقشوا معي هذا الأمر. هذا مثلاً ما حصل معي أنا شخصياً.
والقصة الثانية أيضاً، حدثت معي. أنا و مجموعة من الإخوة كنا سوياً و كان معنا أحد المشايخ من أصدقائنا ولكن هو لا يؤمن كثيراً بهذه المسائل [المعنوية]. كان في زيارتي عندما كنت في قم، و كان قد صار وقت الموعد مع سماحة الشيخ البهجة (رض)، و أنا أريد أن أذهب وهو فهم أني أريد الذهاب إلى سماحة الشيخ (قده). قال لي: «هل تأخذني معك؟» فقلت: « تذهب معي إذا سماحة الشيخ البهجة (رض) قبل أن تدخلون». فهو لم يكن و جزءاٌ من البرنامج. دخل إلى الجلسة معنا، وفي آخر الجلسة قال لسماحة الشيخ (قده): «مولانا، أريد منك استخارة». طبعاً سماحة الشيخ (رض)ما كان يطيل في القراءة، أمسك القرآن و فتحه. جملتين سريعتين و فتح القرآن. أنا كنت حاضر. وقال سماحة الشيخ البهجة (رض) له: «لا تذهب الى ذاك المكان الذي تنوي أن تذهب إليه، والذين ستذهب إليهم لن يقبلوك و سيزعجونك. أعرض عن هذا السفر». طبعاٌ هذا الأخ الشيخ الذي كان معنا هو لونه أبيض و ليس أسمر مثلي، فتغير لونه و صار أحمر، وفوجئ. وحتى عندما خرجنا من البيت هو كان يذهب يميناً و يساراً. وأنا قلت: « له ما بك؟». يعني نحن نقول [داخ]. فقلت: «ما بك؟ ما قصتك؟»، قال: « الله أكبر، الله أكبر، أنا لم أكن أصدق هذه الأمور. لكن هل تعرف أنا ماذا كانت نيتي في الاستخارة؟ ». قلت: « لا ». قال: « أنا كنت أريد أن أسافر إلى البلد الفلاني، بلد في الغرب، عند بعض أقاربي، وأريد أن أقيم عندهم لمدة شهر، بنية أن أبقى عندهم وأذهب إلى التبليغ»، فهو كان يريد أن يبقى كل شهر رمضان عندهم. و أكمل: « وكنت أخاف أنهم يقبلوني أو لا يقبلوني. يقبلوني يوم يومين ثلاث، لكن ثلاثين يوماً أبقى عندهم أنا كنت متردد. هذا كان حديث نفسي، وسماحة الشيخ (رض) ما قرأ آية القرآن بل قرأ حديث نفسي، وأجابني على تساؤلاتي ومخاوفي وشكوكي ».
هذا ما أذكره بالمباشر.
وطبعاً، أنا أضيف أنه فيما بعد، فيما يتعلق بي، كل الظروف والأحداث التي حصلت في لبنان وفي حزب الله، وعلى حزب الله، كلّها كانت تشكل شواهد صحيحة على نتيجة هذه الاستخارة. وأنّ هذه الاستخارة كان فيها صلاح ديني و دنياي و آخرتي، بحسب النتائج والأحداث والمعطيات التي حصلت لاحقاً.
نعلم أن لسماحتكم اطلاع واسع على المدارس العرفانية. فكيف ترون تميّز و أفضليّة منهاج الشيخ البهجة (قدّس سرّه) على بقية المناهج و المدارس العرفانية كما وصفتموها سابقاً؟
نحن في كل ما سمعنا من سماحة الشيخ بهجة (قده) أو قرأنا في توجيهاته، كان دائماً يقول لنا قال الله تعالى، قال رسول الله (ص)، قال أمير المؤمنين(ع). يعني دائماً ينسب إلى الأئمة المعصومين (ع).أنا شخصياً في كل اللقاءات التي التقينا به ما سمعته يقول قال فلان الفيلسوف و قال فلان العارف و قال فلان الحكيم وفلان الأستاذ، بل كل ما كان يقول كان يستند إلى كتاب الله، و إلى أحاديث رسول الله (ص) و أهل بيته الأطهار (ع).
وهذا يعني أنّ هذه هي المدرسة الأصيلة الصافية النقية التي لا يوجد فيها إضافات، ولا تشوّهات، و لا شبهات على الإطلاق. أي أنت تأخذ من المنبع الصافي الأصيل، وثانياً أنا أضيف أنه الوضوح وعدم التعقيد فهو لا يشرح لك أموراً و يدخلك في مباحث أنت يضيع عمرك فيها، و قد تفهم و قد لا تفهم، وإنما تشعر ببساطة يأخذ بيدك و يقول لك هذا هو الطريق . يعني عندما نحن مثلا ً نقرأ الشريعة السمحاء أنّ ديننا هو دين اليسر و ليس دين العسر. أيضاً، كما تلحظ مثلاً توجيهات سماحة الشيخ البهجة(رض)، يقول لك افعل كذا و كذا وكذا مما هومعروف و موجود في كتاب الناصح أيضاً.
أنت ترى أنّ هذه الأمور سهلة الفهم. العالم، والفيلسوف، و الفقيه، و الطلبة الأفاضل، والانسان العادي، و التاج، والفلاح، و الشاب، والمقاتل في الجبهة، الكل يفهم ما يقوله سماحة الشيخ البهجة (رض). وأيضاً العمل بها هو عمل متيسر، و لكن يحتاج إلى إرادة وإلى عزم، وإلى مواظبة، و إلى مواصلة العمل. ولذلك تشعر أن ّ مدرسة السير والسلوك وعرفان سماحة الشيخ البهجة (رض) هي مدرسة لكل الناس و ليس للنخب أوالخواص أو الذين فقط تتوفر لهم ظروف الدراسة الحوزوية و العلمية، و بقية الناس فهم محرومون من بركة هذا الطريق الإلهي العظيم و الكبير.
من المعلوم أن سماحته قد بلغ مقامات معنوية عالية جداً، و كانت له كرامات عديدة و متواترة، حيث يقول الإمام الخميني أن سماحته يملك الموت الاختياري، و السيد القائد قال في حقه أنه كان منبعاً للفيوضات المعنويّة التي لا تنقطع. و أيضاً بحيث أنّ حتّى الذين لايؤمنون بالأمور المعنوية أو ربّما يصعب عليهم تصديقها، يذعنون و يعترّفون لسماحته بكرامات عالية جدّاً. فما هو برأيكم سبب بلوغ سماحته (قدّس سرّه) هذه الدرجات و حصوله على هذه الكرامات؟
أنا أضعف و أصغر من أن أجيب على هذا السؤال. لا أعرف!!
ينقل الشيخ مصباح يزدي و غيره أن السيد الامام كان يذهب بنفسه إلى منزل الشيخ البهجة (قدّس سرّه) و كان يبقى عند سماحته ساعة أو ساعتين، و كان ذلك مراراً و تكراراً رغم أن السيد الإمام كان قلما يذهب لزيارة أحد إلا أنه كان يزور سماحة الشيخ البهجة (قدّس سرّه) بشكل مستمر دائم. و أيضاً السيد القائد كان يذهب من طهران إلى قم لزيارة سماحته بشكل مستمر للاستفادة من ارشادات و نصائح الشيخ البهجة (قدّس سرّه) حتى في الأمور ذات البعد السياسي و ليس فقط الأمور المعنوية، و كانوا يستشيرونه في أهم قضايا الأمة الإسلامية، فكيف تصفون هذه العلاقة و هذا الارتباط؟
يعني العلاقة معروفة كما تفضلتم و أشرتم، و مع الوقت تظهر بعض تفاصيل هذه العلاقة التي كانت بالأعم الأغلب مخفية. يعني لا الإمام الخميني و لا القائد كانوا ينشرون هذه المسائل فضلاً عن سماحة الشيخ البهجة (رض) أيضاً. لكن على كل العلاقة مع سماحة الشيخ البهجة (قده) دليل على مستوى اعتقاد الامام الخميني و اعتقاد السيد القائد بسماحة الشيخ البهجة (رض). لأنّ كل منهم في هذه المسؤولية وفي هذا المقام يشعر و يحيل إلى سماحة الشيخ البهجة (رض)، و يطلب الدعاء من سماحته، و يستعين بسماحته. هذا يبين أنّه لديهم اعتقاد كبير بعظمة سماحة الشيخ البهجة (رض) و بمقامه الشامخ وروحانيته العالية و العظيمة والكبيرة جداً.
وأنا أعتقد أنّ الأيام سوف تكشف الكثير من أمور هي خلف الستار نحن لا نعرفها، و لكن ببركات مواقفه و دعائه و توجهاته، حصلت تحولات كبيرة قد نظنّ أن سببها شيءٌ آخر.وسماحة الشيخ قام بهذا الدور على أحسن وجه وأنا أعتقد أن الأيام سوف تكشف الكثير من أمور خلف الستار التي نحن لا نعرفها و لكن ببركات مواقفه و دعائه و توجهاته حصلت تحولات كبيرة قد نظن أن سببها شيءٌ آخر.
سماحة السيد، كيف تصفون علاقة سماحة الشيخ البهجة (قدّس سرّه) كعارف مع المجتمع ، لأنه من المعروف عادة بين عوام الناس أن العارف يكون منعزلاً عن المجتمع و لا يكون له علاقة مع الآخرين. و لكن نحن لا نرى ذلك في سيرة سماحته بل على العكس، حيث أن سماحته (قدّس سرّه) على الرغم من كونه في قمة العرفان و المقامات المعنوية، إلا أنه كان مرجعاً دينياً كبيراً لجميع أمور المجتمع. فكيف تصفون سماحتكم علاقته معارف مع المجتمع ؟
هذه من الخصائص الممتازة جداً في سماحة الشيخ (قده)، أنه لم يحتفظ بخلاصة عمره لنفسه، وإنما تفضل بها وأفاض بها على الناس. وهو قبِل و تكلم مع الجميع وكان الصغير يسأله و الكبير والعالم والانسان العادي والحوزوي وغيره وكان يجيبهم جميعاً بكل لطف و ابتسامة، وبمحبة و بصبر و بتحمّل. وهذا أيضاً يكشف مدى عشق سماحة الشيخ (رض) للناس، وهذا العشق هو عشق متبادل فهذه المحبة العظيمة و الاحترام الشديد والعشق لسماحة الشيخ البهجة (رض) من قبل عامة المؤمنين الذين حتى يمكن لم يروه في حياتهم إنما من البعيد.
هذا أيضاً يكشف عن مدى العشق والحب والاحترام والأبوة والاهتمام الذي كان في قلب سماحة الشيخ البهجة (قده) تجاه هؤلاء الناس عندما كان يجيبهم وينصحهم. وأنت تلاحظ أيضاً أنّ من خلال الأجوبة، أنا أعرف من خلال التجربة أنّ الانسان عندما يعيد نفس المطالب و يعيدها فهو يمل من التكرار، ولكن سماحة الشيخ (رض) ما كان يمل رغم سنه الكبير و وضعه الصحي، و دائماً كان حريص أنّ يقدم هذه الاجابات و يكررها. و الاجابات الصحيحة و الحريصة هي هذه العلاقة التبادلية في الحقيقة بينه و بينهم. و هذا أيضاً يدل على تحمل سماحة الشيخ البهجة (قده) للمسؤولية الكبيرة تجاه الأمة، يعني واقعاً الانسان عندما يفكر أحياناً أنّه في بعض التفاصيل السياسية و في بعض الميادين و في بعض الساحات سماحة الشيخ البهجة (قده) لم يتدخل، و لم يكن حاضراً. ثمّ يدقّق الانسان أكثر فيشعر بأنّ مقام سماحة الشيخ البهجة (رض) المعنوي و الروحي كأنّه مّدخر و محفوظ للقيام بدور مختلف عما نتوقعه نحن من بعض العلماء أو بعض المراجع أو بعض الأساتذة. وسماحة الشيخ البهجة (قده) قام بهذا الدور على أحسن وجه، وأنا أعتقد أنّ الأيام سوف تكشف الكثير من أمور هي خلف الستار نحن لا نعرفها، و لكن ببركات مواقفه و دعائه و توجهاته، حصلت تحولات كبيرة قد نظنّ أن سببها شيءٌ آخر.وسماحة الشيخ قام بهذا الدور على أحسن وجه وأنا أعتقد أن الأيام سوف تكشف الكثير من أمور خلف الستار التي نحن لا نعرفها و لكن ببركات مواقفه و دعائه و توجهاته حصلت تحولات كبيرة قد نظن أن سببها شيءٌ آخر.
ما هو توصيفكم كقائد المقاومة لأهمية العرفان و التوجه للأمور المعنوية بالنسبة للمقاومة في العالم العربي ، و في حزب الله على وجه الخصوص؟
حقيقةً لولا هذا الجانب المعنوي و المعرفي، أنا أدّعي أنه ما كانت لتقوم المقاومة في لبنان وتنتشر في المنطقة. يعني إذا عدنا إلى سنة انطلاق المقاومة في لبنان سنة 1982 ميلادية، نجد أنّ القوات الاسرائلية المحتلة احتلت جزء كبير من الأراضي اللبنانية، و وصلت إلى العاصمة بيروت، إلى حيث نجلس الآن وصلت الدبابات الاسرائلية. و المجتمع الدولي و العالم كله كان يدعم اسرائيل، و الدول العربية دول خاضعة و ضعيفة بالأعم الأغلب.
الجمهورية الاسلامية كانت أيضاً تعاني من الحرب المفروضة عليها من قبل صدام حسين لأن غزو لبنان حصل بالتحديد بعد تحرير خرمشهر من قبل القوات الاسلامية في ايران. فالوضع اللبناني كان وضعاً صعباً جداُ. لم يكن هناك أي أمل لإلحاق الهزيمة باسرائيل. عندما تتحدث عن مئة ألف جندي اسرائيلي في لبنان، أقوى جيش في المنطقة موجود في لبنان ومعه بالاضافة الى ذلك قوات أمريكية وانجليزية و دولية، وجزء من اللبنانيين يتعاونون مع المحتل، و المقاومون عددهم قليل جداً أي بالمئات. حسناً، كيف يمكن لهذه الفئة القليلة المستضعفة أن تلحق هزيمة بقوى جبارة بهذا المستوى؟! عندما نرجع إلى تلك الأيام، خلفية هؤلاء الشباب الذين حملوا السلاح و قاتلوا الذين بقوا في ساحة المقاومة و أكملوا الطريق، كان لديهم هذا الدافع الايماني. معرفتهم، إيمانهم بالله، اعتقادهم بأنه عندما يقاتلون العدو إنما يقومون بتكليفهم الشرعي وواجبهم الديني. وإنهم إذا تخلوا عن القتال والجهاد سيُسألون يوم القيامة، بينما إذا جاهدوا هذا سيكون فيه رضا لله عز وجل، ويرفع شأنهم و درجتهم يوم القيامة، و يجعلهم من أهل الجنة، ويبعدهم عن النار، هذه هي الخلفية. فهم كانوا في الحقيقة أهل آخرة وأهل الله، وما كانوا أهل الدنيا، وماكانوا يطلبون شيئاً من حطام هذه الدنيا، كان أهل الدنيا في لبنان يقولون لهم: « أنتم مجانين! أنتم مجموعة من الشباب تريدون أن تهزموا اسرائيل!». كانوا يقولون هل أنّ العين تقاوم المخرز؟ مخرز الحديد. العقل يقول العين لا تقاوم المخرز. فكانوا يتهمون هؤلاء الشباب بالجنون. وكان بعض الشباب كما أذكر يجيبون جواب عابس في كربلاء، أي حبّ الحسين أجنني. المسألة لم تكن مسألة حسابات مادية. بالحسابات المادية، كان ينبغي أن لا تقوم مقاومة في لبنان و أن نستسلم للشروط الاسرائيلية والامريكية، و أن نقبل بما يفرضونه علينا. أنا أذكر في الأسابيع الأولى عندما ذهبت المجموعة الأولى إلى سماحة الامام الخميني قدس سره الشريف و سألته: « نحن ما هو تكليفنا؟ نحن ظروفنا صعبة و عددنا قليل، و إمكانياتنا ضعيفة جداً، و عدونا كبير بهذا المستوى، و لكن نحن جاهزون أن نعمل بتكليفنا الشرعي أيّاّ يكن ».
سماحة الامام الخميني قال: « تكليفكم أن تقاوموا، وأن تقاتلوا اسرائيل، و لو كان عددكم قليلاً وإمكاناتكم ضعيفة. اتكلوا على الله و ثقوا بالله سبحانه و تعالى والله ناصركم، والنصر معقود في جبينكم ». يعني الذي تحدّث عن انتصار بعد 18 عاماً كان الامام الخميني، يعني أنه كان يرى أنّ هذه المجموعة ستنتصر على اسرائيل ولكن بالثقة بالله و التوّكل على الله. وقال الكلام المعروف الذي يقوله أنه: « أنتم لستم مسؤولون عن النتائج. أنتم مسؤولون عن أداء التكليف، قوموا بتكليفكم والنتيجة على الله، و لكن أنتم ستنتصرون ». فأصل البداية هي بداية بهذه الخلفية الايمانية المعنوية. واقعاً، إنّ الذين كانوا يقاتلون، وكثير منهم استشهد، وكثير منهم مازال على قيد الحياة، كان دافعهم دافعاً إلهياً بحتاً، لم يكونوا يطلبوا شيء من حطام هذه الدنيا، بل لم يكونوا يتوقعون أصلاً أن يبقوا على قيد الحياة، مثلاً عشرين سنة و ثلاثين سنة و يعيشون بعدها في أمن وسلام وعزّ و انتصار. ما كان يوجد توقّعات من هذا النوع، و هذه الروحية هي التي ما زالت موجودة وحاكمة. عندما تقرأ وصايا الشهداء، وخصوصاّ وصايا الاستشهاديين، سوف تجد المعرفة رغم أنه بعض هؤلاء الشهداء هم أشبه بأميّين لم يدرسوا في الحوزات العلمية ولا في الجامعات، ولكن عندما تقرأ نصوصهم و متونهم تتفاجأ بحجم المعرفة و العشق الذي يعبّرون عنه.
ما هو توصيفكم لأهمية العرفان و التوجه إلى الأمور المعنوية بالنسبة لأهل العلم و لرجال الدين؟
هذه من الأمور التي كانت تفتقدها حوزتنا العلمية. أمّا في العراق و في لبنان وفي الشامات أي في غير إيران طبعاً، هذا أمر كان ممنوعاً و محارباً بشدة للأسف الشديد والامام الخميني رضوان الله عليه في رسالته منشور روحانية يتحدث فيها عن بعض هذه المسائل. في إيران، كان الوضع مختلفاً، لكن أيضاً كان هناك مشكلة كبيرة. وهذا النقص هو ليس فقط نقص حادّ. أنا أقول أنّه نقص خطير لأنه نحن الطلبة و حتى غير الطلبة، أي انسان عندما يزداد غنى و لا يزداد تقى، عندما يزداد علماً ولا يزداد تقى و معرفة، عندما يزداد قوة كقوة عسكرية أو قوة بدنية، هذا الانسان يطغى و يستبدّ و ينحرف. الضمانة الحقيقية لمن يريد أن يصبح عالما كبيراً، أو يصبح قدرة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية كبيرة، سواء أكان فرداً أو جماعات أو حكومة مثلاً. الضمانة هي هذا الجانب الايماني المعرفي الروحي المعنوي، و أي ضعف أو وهن أو تراجع في هذا الجانب سوف يجعل دنيانا و آخرتنا في خطر. ولذلك هذا الأمر يجب أن يكون أوجب من دراسة الفقه وأصول الفقه وبقية الأمور الأخرى، لأنّه إذا لم نعط لطالب العلم هذا الجانب المعنوي كمن يأتي بشاب و يدربه على استخدام سلاح، و على استخدام المتفجرات، ويجعل منه شخصا قوياً، ولكن لا يوجد لديه الحافز الإلهي، و لا الرادع الديني، ثمّ تطلقه بين الناس . هذا ماذا يفعل؟ سيفتك بدماء الناس، بأموال الناس، و بأعراض الناس. الطلبة هم أخطر من هذا المقاتل، لأنهم يفتكون بدين الناس إن لم يكن لديهم دين و تقوى، و ورع ومعرفة، تحجبهم عن ارتكاب المعاصي والأخطاء من هذا النوع.
أنا أظنّ أنّ إحياء النفوس [هو أعظم كرامة لسماحة الشيخ (قده)] هذا التأثير العجيب الغريب في البعض.
نقلت كرامات كثيرة شوهدت من سماحته حتى وصل الأمر إلى حدّ التواتر، و الذين نقلوا هذه الروايات لم يكونوا أناساً عاديين أو شخصيات صغيرة بل كبيرة كالسيد الإمام، و من الاشياء التي تواتر نقلها هي أن السيد الإمام كان يعتقد أن سماحة الشيخ لديه القدرة على الموت الاختياري و أمثال هذه المقامات. هل سماحتكم شاهدتم بنفسكم شيئاً من سماحة الشيخ؟ و ما هي برأيكم أعظم كرامة لسماحته؟
أنا اعتقد في اعتقادي القاصر ـ لا أدّعي شيئاً في هذا العالم ـ ولكن أنا أظنّ أنّ إحياء النفوس [هو أعظم كرامة] هذا التأثير العجيب الغريب في البعض. مثلاً بعض الأشخاص يقولون لك فلان وقف عند شجرة يابسة ومسح عليها فأصبحت خضراء، أو غير مثمرة مسح عليها أو قرأ دعاء وأصبحت مثمرة.
النفوس البشرية هي أعقد وأصعب بكثير من هذه الشجرة البسيطة التي معادلتها معادلة جداً بسيطة. النفوس التي تسلطت عليها شياطين الجن و الأنس، و خصوصاً في هذا الزمن و في هذه العقود الأخيرة، واقعاً ينطبق على أي شاب أو شابة أو طلبة الحديث الشريف الذي مضمونه أنّ القابض على دينه هو كالقابض على الجمر.
النفوس الميتة، النفوس الكالحة، الضائعة التائهة المعقدة، عندما كان يجلس هؤلاء الأشخاص بين يدي سماحة الشيخ البهجة (قده) أو يستمعون إلى كلماته، كان يحدث هذا التحول الروحي و المعنوي الهائل. هذا هو إحياء الموتى الحقيقي، و ليس إعادة الروح إلى الجسد ليقوم هذا الجسد ويأكل و يشرب، وإنما إحياء هذه الأرواح وهؤلاء الناس في إعادتهم إلى طريق الله سبحانه و تعالى، في زمن من أخطر ومن أشد الأزمنة، و في شدة الدواعي للانحراف والابتعاد. أنا كل الذين أعرفهم في الحد الأدنى، من خلال اللقاء المباشر عندما كانوا يذهبون إلى سماحة الشيخ البهجة (رض)، في لقاء واحد أو اثنين و تجد أنّ حياتهم انقلبت رأساً على عقب و استمروا على هذا، من غير أن يحتاجوا أن يصبحوا من طلابه. أنا أعتقد لعل هذه تكون من أعظم الكرامات. هذه كرامة يمكن أن أقول أنها كرامة كلية و ليست كرامة جزئية في موضع محدد أو قصة محددة .
كيف تفسرون علاقة سماحة الشيخ البهجة البالغ مناه مع الإمام الحجة صلوات الله عليه؟
أنا شخصياً لم أسأل سماحة الشيخ البهجة (رض) عن هذا الأمر، كان يخطر في بالي عندما نلتقي و لكن كنت أخجل أو أخاف أن أسأله سؤالاً، لأنّ هذا سؤال جداّ خصوصي وكنت أشعر أنّ هذا يجعل سماحة الشيخ (رض) في حرج شديد. ولكن مما سمعنا من الثقاة نقلاً الذين سألوا سماحة الشيخ (رض)، هم كانوا ينقلون هذه الأجوبة. أنا شخصياً أعتقد بهذا، و هذا تقريباً من المسلمات عندنا، لأنه في تاريخ الغيبة الكبرى بعض الكبار العظماء من علمائنا الذين هم قطعاً أهل وثاقة وقداسة، ونقل ثقاة عنهم أيضاً، وهذا متواتر ومعروف بأنهم حصل لهم هذا النوع من التشرّف بلقاء صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. فسماحة الشيخ البهجة (رض) لا يقل مقاماً عن كثير من أولئك الذين قرأنا أنه حصل لهم هذا الأمر، يعني المنطقي الطبيعي جداً أنّ من هو بمستوى المقام المعنوي الرفيع والشامخ لسماحة الشيخ البهجة يحصل له هذا الشرف العظيم . وأيضاً الدور التربوي لسماحة الشيخ البهجة (رض) يقتدي هذا النوع من الاتصال. بحسب اعتقادي القاصر أن الأمور هكذا. في كل الأحوال، أنا أدعي شيئاً آخر لأستدلّ. أنا أعتقد أنّه على طول الغيبة الكبرى و على مدى هذه الأزمنة، هناك حاجة شديدة لأن يحصل لقاء بشخصيات معروفة وموثوقة وصادقة مع الامام صاحب الزمان عليه السلام وذلك من أجل حماية معتقدات الشيعة الإمامية. لأنه مع الوقت، ومع تمادي الزمن سوف يأتي من يقول أين هو هذا الامام الغائب الذي تنتظرونه؟ وخصوصا عندما تمضي مئات السنين. سوف يٌفتح باب التشكيك، وسوف نرى بأعيننا. والآن نحن نسمع أيضاً ما ذكرته الروايات الشريفة عن أئمتنا عليهم السلام، أنه سيقال يأتي زمان يقال مات أو هلك في أي واد سلك. الآن هناك من يقول مات أو هلك. حسناً، الجانب العلمي مهم، يعني نحن الآن علماؤنا أو المحققون من علمائنا، عندما يدّرسون أو يخطبون أويكتبون، يستدلون بأدلة علمية تؤدي إلى اطمئنان و إلى علم بوجود الامام صاحب الزمان عليه السلام، وبحياته و بغيبته و بانتظاره كما نحن ننتظره. هو ينتظر الإذن الإلهي للخروج والظهور وإقامة العدل في الأرض، لكن هذه تبقى أدلة علمية ممكن لابليس وللشياطين في لحظة أن يتسللوا الى نقاط الضعف في النفس البشرية، و يقولون حسناً هذا كلام فلسفي، هذا كلام علمي كلامي فني، لكن يا أخي ما من أحد رأى، ما من أحد التقى. فأنا أعتقد أنّ هذا الأمر مهم جداً لحماية و حراسة هذه المعتقدات، وأنّ صاحب الزمان عليه السلام يستطيع أن يقوم بهذا الأمر و بهذه المهمة بما لا يتنافى مع الغيبة الكبرى. و ينقل أنّه في التاريخ كان يحصل لقاءات من هذا النوع. ففي كل جيل نحن بحاجة الى لقاء، إلى من يلتقي ، لأنه أنا أقول لك أكثر من هذا، اليوم جاء من يقول بأنّ من قال أنّ السيد بحر العلوم تشّرف بصاحب الزمان عليه السلام. من قال أن المقدس الأردبيلي حصلت له هذه القصة؟ من قال أن العلامة الحلي كذا و كذا. يعني تعالوا بالكتب والأسانيد. يأتيك بالنقاش العملي الدقيق لينسف هذه المسائل و هذه الروايات و القصص، و يقول هذه أقاصيص، بتعبيرنا سوالف، يعني هي ليس لها أي مستند علمي يمكن أن يُبنى عليها أمر عقائدي بهذا المستوى. وأنا أعرف أنّ بعض الأشخاص كان قد بدأ يحصل له تردّد أنه واقعاً هل صاحب الزمان (عج) موجود؟ هل مازال على قيد الحياة؟ طبعاً، العلم و الاستدلال يقول له نعم، لكن قلبه أصبح في اضطراب. لكن عندما يأتيه من ينقل له بشكل واثق أي بشدة عن سماحة الشيخ البهجة رضوان الله تعالى عليه، وسماحة الشيخ البهجة (رض) يقول أنا التقيت أنا تشرفت أنا كذا أنا كذا، وبالتفصيل الذي ذكرتم، وأيضاً موجود في كتاب الناصح وفي كتب أخرى. أنا أعرف هؤلاء الأشخاص أصبحت قلوبهم قوية جداً، لأنّ الشيخ البهجة (رض) منزّه عندهم عن الكذب و عن الافتراء. هو لايبحث عن أي جاه، هو ليس صاحب دكان، هو لايريد شيء، لا محبة الناس و لا ثناء الناس عليه، و هو لا يحتاج إلى أن يقول للناس أنا التقيت، بل حتى ظروف حديث سماحة الشيخ البهجة (رض) عن لقائه و تشرفه بصاحب الزمان عليه السلام. أيضا تعزّز هذا الصدق الكبير يعني لأنه كان تحت الضغط و إلحاح السائلين، و كثيرون سألوا وهو ما أجاب. و في الزمن الذي في بداية مرجعتيه أو قبل مرجعيته، هو ما كان يقول هذا. كان يقول هذا في السنوات الأخيرة يعني يعتبر أن هناك أمراً في ذمته ويريد أن يفي به. انا أعتقد بهذا بشدة و أعتقد أنه رأيّ و أعتقد أنه ضروري جدا انه في كل زمان في كل جيل ولذلك أنا أقبل هذا الذي يُنقل. في كل الأجيال الماضية من بدأ الغيبة الكبرى إلى الآن على الاجمال، ينبغي أن تقبل هذا، والامام سلام الله عليه هو يختار من يلتقي بهم. لا أحد يستطيع أن يفرض على الإمام أن يلتقي به، الامام عليه السلام هو صاحب المشيئة والقرار بهذا وهو يعرف المصالح بالتأكيد و يلتقي مع من إذا نقل إلى الناس صدّقه الناس ووثق به الناس مما يخدم هذا الهدف الذي أشرت له قبل قليل. وأنا أريد أن أقول هنا أنّ ما ذكر في الآونة الأخيرة قبل رحيل سماحة الشيخ البهجة (رض) عن لقائه بصاحب الزمان (عج)، أو أكثر من مجرّد لقاء، كان له تأثير قوي جداً في تثبيت عقائد المؤمنين و الشيعة الذين بدأ يتسلل إليهم التردد و الشك نتيجة التشكيكات الموجودة الآن في أكثر من مكان في هذه المسألة.
هناك شائعة مشهورة جداً بأن سماحته يبشر الكهول بأنهم سوف يدركون الظهور المبارك فضلاً عن الشباب، و لكن عندما سماحته كان يُسأل عن ذلك كان ينكر هذا الشيء، و كان يقول بأنّ وظيفة كلّ مؤمن هي أن ينتظر الظهور سواء كان شابّاً أو كهلاً، فهل أنتم سألتم سماحة الشيخ عن هذه القضية أو لديكم معلومات حول هذه القضية؟
هذا الذي كنت أشير له في اللقاءات الأولى عندما كنا نتشرف بزيارة سماحة الشيخ (رض). أخواننا كانوا يسألون: « هل ترى أنّ الظهور قريب أي فرج مولانا صاحب الزمان (عج)؟». مثل كل المؤمنين و شيعة أهل البيت عليهم السلام. هذا أملنا وغاية الآمال. فسماحة الشيخ البهجة (قده) كان دائماً يعطيك الأمل لكن دون توقيت و دون تحديد شيء وهذه هي سيرة أهل البيت عليهم السلام. كان يقول: « إن شاء الله الفرج قريب، يجب أن ننتظر، يجب أن نعمل، لكن نحن لم نسمع منه في يوم من الأيام تحديداً زمنياً، حتى تحديداً إجمالياً مثل أنّه في المدى القريب أو في المدى المنظور، لا أبداً. في يوم من الأيام جاءني شخص، وهو ادعى بأنه سمع هذا بأذنه من سماحة الشيخ (رض)، وأنا اثق بنقل هذا الشخص وأنا تعجبت جداً! طبعا هذه قصة قديمة، هو قال أنّ ظهور الامام سلام الله عليه سيكون في عام 1997. هو حوّله إلى الميلادي. أنا قلت له: « هل أنت متأكد؟ يستحيل أن سماحة الشيخ (قده) يُؤقّت ». وهذا خلاف سيرة علمائنا و الروايات الموجودة عندنا حول النهي عن التوقيت، وهو قال: « أنا متأكد، أنا سمعت هذا ». و في أول زيارة أنا ذهبت تشرفت إلى قم المقدسة و تشرفت بزيارة سماحة الشيخ (رض)، وأنا سألته، طبعاً لم أقل من هو الشخص. قلت له: « مولانا يوجد شخص نقل إلينا أنه سمع منكم أنّ الظهور سيكون في عام 1997 ». و أنا عندما سألته هذا السؤال كان عام 1996 يعني قبل سنة من المُدّعى. فسماحة الشيخ (رض) غضب غضباً شديداً. أنا ندمت أنني سألته، وتألّم كثيراً، وقال: « أستغفر الله، أستغفر الله، معاذ الله ، معاذ الله . أنا لا أوقّت، أنا ما قلت هذا، هؤلاء يكذبون عن لساني. أنا ما قلت هذا أبداً ». وأنا قلت له يكفي، لأنني وجدت أنه غضب غضباً شديداً، وهذا السؤال والنفي كان قبل 1997 يعني ليس بعد مضي العام، بل قبله، وأنا سألته و هو قال أبداً. وأي شخص ينقل عني أنّه أنا أوقت و أقول سنة كذا أو عام كذا، هذا كذب! لا تصدقوا هذا.
إنّ من مميزات سماحة الشيخ أنه كان في أعلى درجات العلم في عنفوان شبابه و ذلك بإقرار جميع أساتذته الذين يشهدون بذلك كالسيد أبو الحسن الأصفهاني و الشيخ محمد الصدر الكمباني و الشيخ اليزدي و غيرهم، و أيضاً في مرجعيته عندما كان على قيد الحياة فإن البعض كالشيخ مصباح اليزدي و الشيخ جوادي آملي و غيرهما كانوا يشهدون له بالأعلمية و يشهدون بأنه كان يملك مدرسة فقهية و أصولية قوية جداً، فما رأيكم بهذا الموضوع؟
أنا لست أهلاً لأن أتحدث عن هذا الجانب من شخصية سماحة الشيخ (رض). وإنّ ما سمعناه من أهل الخبرة والعلماء والفضلاء والمجتهدين والفقهاء، كل ما سمعناه هو متداول إعلامياً. ليس عندي شيء خاص، وهو الإشادة الكبيرة والاستثنائية بالدرجات العلمية خصوصاً في البعد العلمي والحوزوي، و في المجال الفقهي، وأصول الفقه و العلوم الأخرى. لكن أنا شخصياً للأسف ليس لدي اطلاع خاص.
أنا شخصياً قرأت الكثير مما كُتب و مما جُمع عن سماحة الشيخ البهجة (رض)، ولكن هذا الكتاب الذي صدر أخيراً و هو كتاب الناصح أعتقد أنه كان مؤثراً جداً. وعندنا في لبنان انتهت الطبعة الأولى بشكل سريع جداً، و كل من وصل إليه هذا الكتاب و قرأه تأثّر به، أوّلاً لجامعية الكتاب، و أيضاً لملاحته، و لجمالية الفكر المجموع فيه وأيضاً للوثاقة. يعني أنّ هذا كتاب لم يأت بمعلوماته من أفواه الرجال و فلان و فلان، وإنّما من أقرب وأوثق المصادر القريبة. وبالمناسبة أنا أتوجه إلى مكتب حفظ وتنظيم آثار سماحة آية الله العظمى الشيخ البهجة (قده) بالشكر الجزيل واقعاً.
ما هي الطرق التي تنصحون بها للترويج لمدرسة و فكر سماحة الشيخ البهجة خصوصاً في هذا الزمن لحاجتنا الشديدة إلى قدوة كسماحته للمجتمع و خصوصاً الشباب، فما هي توصياتكم لنشر هذا الفكر المبارك لاسيما في أوساط حزب الله و بين شبابه؟
من أهم الوسائل أو الأساليب للترويج هو هذه الثقافة المعنوية، وهذا الفكر المعنوي الذي هو في الحقيقة نفس التعريف بسماحة الشيخ البهجة(رض) وسيرته و توجيهاته و إرشاداته، وكل هذا الذي يُنقل عنه هو من أفضل الأساليب الجذابة و المشوقة والمقنعة والمؤثرة. فبعيداً عن التقديم الفكري و العلمي البحت والجاف، عندما تتحدث عن عامة الناس، نحن هنا لا نتحدث عن الخواص أو الحوزة العلمية وإنما عن عامة الشباب وعامة هذا الجيل خصوصاً، هم متعطشون واقعاً، ولذلك أنا شخصياً قرأت الكثير مما كُتب و مما جُمع عن سماحة الشيخ البهجة (رض)، ولكن هذا الكتاب الذي صدر أخيراً و هو كتاب الناصح أعتقد أنه كان مؤثراً جداً. وعندنا في لبنان انتهت الطبعة الأولى بشكل سريع جداً، و كل من وصل إليه هذا الكتاب و قرأه تأثّر به، أوّلاً لجامعية الكتاب، و أيضاً لملاحته، و لجمالية الفكر المجموع فيه وأيضاً للوثاقة. يعني أنّ هذا كتاب لم يأت بمعلوماته من أفواه الرجال و فلان و فلان، وإنّما من أقرب وأوثق المصادر القريبة. وبالمناسبة أنا أتوجه إلى مكتب حفظ وتنظيم آثار سماحة آية الله العظمى الشيخ البهجة (قده) بالشكر الجزيل واقعاً. أنا أعتقد أنّ هذا الكتاب و أمثال هذا الكتاب، و وضع برنامج للتعريف أكثر بشخصية سماحة الشيخ البهجة (رض)، وبآرائه و توجيهاته، والتي يمكن أن يفهمها كل الناس يعتبر من أهم الوسائل التي ينبغي أن نلجأ إليها في هذه المرحلة، لأنها تقدّم القدوة. أنت هنا تقدّم عرفاناٌ مجسداٌ. لست تتحدث عن الطريق بمعزل عن سالكه، بل تتحدث عن سالك الطريق وما رأى و كيف وصل و أين وصل. وفي نفس الوقت تتحدث عن مرجع كبير، عن فقيه عظيم، عن أصولي، عن كل جهات الأمن و الأمان التي يحتاجها الانسان في هداية الناس أو الأخذ بيد الناس، أو في ما يتعلق بشخصه ونفسه، كلّ هذا موجود في مدرسة آية الله العظمى الشيخ البهجة (قده).
ما هي توصيتكم لنشر فكر سماحته في المؤسسات الإعلامية ( كقناة المنار) و المؤسسات الثقافية و العلمية في حزب الله ؟
هذا جزء من مسؤوليتي، و مسؤولية الأخوة إن شاء الله. نحن سوف نبذل أقصى الجهود إن شاء الله لنشر هذه الكتب للتعريف عن شخصية سماحة الشيخ البهجة (قده)، و آرائه، و بالأشكال الحديثة أيضاً. أي بكل الوسائل الحديثة التي يمكن أن توصل هذه الفكرة و تفاصيلها إلى الأذهان، خصوصاً جيل الشباب.
سماحة السيد نشكركم على الوقت الذي أعطيتمونا إياه و إن شاء الله نرى توفيقاتكم في المجالات المعنوية و العلمية و الجهادية.
أهلا و سهلا بكم.
الله يسلمكم إن شاء الله و يحفظكم.