التّحف الإلهيّة

وأمّا لدى الحديث حول كراماته الّتي أصبحت أشهر من نار على عَلَمٍ ولا تخفى على البعيد فضلاً عن القريب، هذا على رغم شدّة تكتّمه وحرصه على عدم إظهار شيء منها، لكن ما طفح منها ليست إلا غيضاً من فيض كراماته الباهرة فهنيئاً لأرباب النّعم، وممّا يدلّ على كتمانه هو كلام بعض معاصريه من العلماء والأفاضل في حقّه، وفي هذا ينقل آية الله الشّيخ المصباح اليزدي:

«من صفات سماحته أيضاً أنّه كان شخصاً كتوماً جدّاً فيما يتعلّق بإظهار مقاماته المعنويّة ونادراً ما كان يقوم بعملٍ أو يقول شيئاً يدلّ على أنّه قد أتى بأمرٍ أو علمٍ خارقٍ للطّبيعة، لكنّ المقرّبين منه على طول السّنين والعشرة كانوا يواجهون من حين إلى آخر بعض الأشياء الّتي تجزم بأنّ لسماحته قدراتٍ تفوق قدرات الآخرين العاديّة»[1].

فما كان يظهر من كرامات سماحته لم يكن من باب الإشارة إلى ذات الكرامة، وإنّما الهدف كان أسمى من المسبَّبِ، حيث إنّ هداية الآخرين في منهج عالم ربّاني كسماحة الشّيخ البهجة هي هدفٌ سامٍ، بل غاية مثلى، ولذا كان يهدف من إبراز كرامة ما -لو أبرزها- إلى إنقاذ متحيّر أو فكّ أسر مقيَّد بالأغلال الدّنيويّة أو غيرها من الأهداف النبيلة التّي تنتظر من مثل سماحته، وكان سماحته يقول: إن أصحاب الكرامات من العلماء الماضين عندما كانوا يظهرون الكرامات ما كانوا يظهرونها لأجل دعوة الآخرين لأنفسهم، وإنّما كانوا يظهرونها لأجل دواعٍ إلهيّة.

وهذا القليل ممّا سوف يُذكر ليس شيئاً بالنّسبة لسماحته، بل إنّ الله جلّ وعلا يكسو عبده المؤمن من الحلل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وما تمّ نقله هو المأخوذ من الثّقات من رجال الدّين والعلماء الّذين عاصروا سماحته. وهناك كرامة ينقلها آية الله الشّيخ المصباح اليزدي:

«قال لي أحد الأصدقاء كنّا على أعتاب شهر رمضان المبارك وكانت زوجتي حاملاً، وكنت عازماً على السّفر لكن ذهبت قبل ذلك لزيارة سماحة الشّيخ من أجل أن أودعه وأسأله الدّعاء، فدعا لي وقال: «سوف يرزقك الله ولداً في هذا الشّهر الفضيل وسمِّهِ محمد حسن!. مع أنّه لم يكن سماحته يعلم بشأن حمل زوجتي. على أيّة حال، في ليلة النّصف من شهر رمضان المبارك وهي ليلة ولادة الإمام الحسن (عليه السّلام) وُلد الصّبي وسمّيته حسن»[2].

وقصّة أُخرى ينقلها الشّيخ علي نجل سماحة الشّيخ البهجة (البالغ مناه):

«في أحدالأيّام أتاني أحد الفضلاء وقال لي: وَلَدَت ابنتي طفلاً ونريد الذّهاب لمحضر سماحة الشّيخ البهجة ليؤذّن ويقيم في أُذنه، ويسميّه. اعتذرت وقلت: سماحته ليس عنده مقدرة على القيام بمثل هذه الأعمال بعد. فقال: هذا المورد لديه حالة خاصّة، حيث إنّه أولاً: كان سماحته قد عقد بيني وبين أمّها، ثانياً: أيضاً لما وُلِدت ابنتي فإنّ سماحته قد أذّن وأقام في أذنها ومنحها البركة، وإلى سنوات كان يسأل عن أحوالها بالاسم، وأحياناً كان يعطيني شيئاً من المال لأشتري لها شيئاً، وعندما وصلت لسنّ الزواج كان سماحته قد عقد لها بنفسه، وأيضاً قد أذّن وأقام لابنتها الأولى الّتي وُلِدت منذ ثماني سنوات، والآن ولدت مولودها الثّاني وتتمنّى أيضاً أن يؤذِّن سماحته ويقيم في أُذنه ويسمّي هذا المولود لها. فقلت: خذ وكالة من ابنتك، وسماحته سيدعو للمولود ويسمّيه، وغير هذا، لا يمكن لسماحته. بعد أسبوع جاء وقال: لقد أخذت إجازة من ابنتي بصعوبة.

في ذاك اليوم حيث كان والدي قد رجع من المسجد، طلبت من سماحته في ممرّ المنزل أن يجلس على الكرسي ويلبّي حاجة ذاك الشخص، وذهبت أنا لعمل آخر.

بعد دقائق أتيت حتّى أساعد والدي وأرافقه إلى حجرته، رأيته يشير بيده ويقول: انظر الآن، إذا تحبّون وترون الصّلاح قولوا له أن يسمّيها زينب!

ثم قال لي: أعطوا شيئاً للبركة [أي للرّجل]. في مثل هذه الموارد كان سماحته يعطي خمسمائة أو ألف تومان ويقول: اشترِ سكر نبات وأعطه للطّفل.

دخلت مع سماحته إلى داخل البيت، وعندما رجعت لأعطي مبلغ البركة لذاك الشّخص قال: أمر عجيب جداً!

قلت: ماذا حصل؟

قال: إنّ سماحته قال بأن نسميها زينب!

قلت: الأسماء الّتي يختارها سماحته هي زينب وفاطمة وزهراء وأمثال ذلك، سماحته لا يختار الأسماء الجديدة الحديثة.

فقال: لا أقصد هذا، أنا بالأساس لم أقل شيئاً لسماحته!

فقلت: إذن لماذا ألححت كثيراً عندما أتيت، ولم تقل شيئاً؟

فقال: إنّ سماحته من لحظة مجيئه بدأ يتكلّم وأنا كنت أصغي إليه، جميع حواسّي كانت معه، ونسيت مسألتي والسّبب الّذي جئت من أجله، وعندما أوقفته أنت، قال سماحته لي: سمِّها زينب، وأنا لم أكن قد قلت شيئاً!

قلت: يعني أنّك لم تحدّثه حول ابنتك وولدها أنّه ذكر أم أنثى، لم تقل شيئاً؟

فقال: لا!

 [يضيف نجل سماحته قائلاً]: وأنا بسبب أنّني دائماً ما أفكر بطريقة فلسفيّة وذهني لا يتقبّل فوراً، قلت لنفسي ربّما عندما أجلستُ والدي قد قلت شيئاً لوالدي، ولكنّي أجبت نفسي أنّني متيقنٌ بأنّني لا أعلم أنّ المولود ذكرٌ أم أنثى، وعلى أية حال ودّعت الرّجل وانصرف.

بعد أن رجع والدي من المسجد أيضاً كان يقرأ التّعقيبات في الطّريق، وأيضاً في المنزل بحدود ربع ساعة كان مشغولاً بالتّعقيبات، بعد انتهاء التّعقيبات، قلت لسماحته: لقد قلتم لفلان أن يسمّي المولود زينب؟

فقال: بلى؟

ممّا يجدر ذكره أن سماحته إذا كان في حالة التوجّه فإذا سألتُه سؤالاً لا يسمع السّؤال، ولذا كان يقول: بلى؟ ومع هذه الكلمة يخرج من ذاك الحال. فكنت أكرر السّؤال على سماحته مجدداً.

في هذا المورد أيضاً بعد أن أعدتُّ السّؤال أجاب سماحته: بلى، زينب! زينب! كرّر هذا الاسم مرّتين.

فقلت: إذا كان أيضاً ذكراً، يسمّيه زينب؟

فقال سماحته: ماذا يعني؟

فقلت: ذاك المولود، إذا كان ذكراً، أيضاً يسمّونه زينب؟

فنظر سماحته إليّ وقال: ماذا تقول؟

قلت: ذاك الشّخص لم يقل لكم ماذا يريد ولماذا أتى، وأنّ مولوده ذكرٌ أم أنثى. فأنتم من أين قلتم له أن يسمّي مولوده بزينب؟

فقال سماحته: ربّما أنّك رأيت حلماً!

قلت: أي حلمٍ رأيت؟ نفس هذه اللّحظة سألتكم، فقلتم بلى!

فقال سماحته مرّتين: نعم أعلم، ولكن يحتمل أنّك رأيت حلماً!

وقال ثالثةً: افرض أنّك رأيت حلماً!

فقلت: هل تهزأ بي؟ تفضّلوا من أين قلتم هذا الكلام؟

فقال وهو بحالة خاصّة وكأنّه يطلب الشّفقة: انظر، جميع هذه الأعمال، بقيت أمامي مدّةً طويلة، الآن قد أتيت تسألني بحيث لا يُعرَفُ ما هو قصدك، وما الّذي يفيدك، اذهب لعملك!»[3].

وينقل نجل حجّة الإسلام والمسلمين السيّد الشريف السّبزواري:

«كنت في زمن التّحصيل مشغولاً بالدّراسة في طهران، كنت أتشرّف إلى قم لأجل الزّيارة أحياناً، وطبق توصيات المرحوم والدي ـ الّذي كان يقول: في كلّ مرّة تذهب إلى قم اذهب إلى آية الله الشّيخ البهجة أيضاً ـ ذهبت إلى سماحته وتشرّفت بلقائه.

في أحد الأيام كشف والدي الغطاء عن علّة توصيته الكثيرة بهذا فقال: في أحد الأيّام كنت جالساً في «مسجد بالاسر» الواقع في الحرم المطهّر للسيّدة فاطمة المعصومة (عليها السّلام)، فأشرقت عيناي بجمال الإمام وليّ العصر |، ولكن خَجَلي مِنَ الحضور وعظمة الإمام (عليه السّلام) كانا مانِعَيْنِ لي من أن أصل لمحضره سلام الله عليه كالعاشق الّذي وصل إلى معشوقه بعد أمدٍ طويل، ولكن بعد لحظات رأيت أنّ آية الله البهجة قد جلس في نفس المكان والنّقطة الّتي رأيت فيها الإمام (عليه السّلام) بالضّبط.

والدي كان يعلم أنّ هذا اللّقاء أحد دلائل عظمة سماحة الشّيخ، بل ارتباط ذاك الفقيه العظيم الشّأن بالإمام وليّ العصر |.

يقول أيضاً: بعد وفاة والدي رأيت مكتوباً في وصيّته:

الكتب الّتي قد اشتريتها تكون تحت تصرّف الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه، ولو من خلال شخص يلتقي بحضرته | دون واسطة، (يُحتمل) أنّه هو الشّيخ محمّد تقي البهجة حشرني الله معه وألتمس منه الدّعاء، وكان قد كتب كلمة (يحتمل) بين قوسين»[4].

 

يقول نجل المرجع الكبير آية الله الحاجّ حسين القمّي (قدّس سرّه) في حقّ سماحته:

«لقد سألت الشّيخ القوچاني: هل الشّيخ محمّد تقي [البهجة] يقدر على التّكلّم مع الأموات؟ فقال: هذا بالنّسبة له كأكل الزّبيب»[5].

وينقل آية الله الشّيخ علي أكبر المسعودي الخميني الأمين العام لحرم السيّدة المعصومة (عليها السّلام):

«في أحد الأيّام تفقّدتّ القبّة من الدّاخل مع أحد الأشخاص، فرأيت أنّها قد تشقّقت وقسم منها أصبح منتفخاً، فقلت لذاك الشّخص: ألا يمكن إصلاح ذاك؟ فقال: كلفتها نحو أربعة مليارات تومان وتستغرق مدّة أربع سنوات، فقلت: لا نملك المال ولا العمر بيدي. مرّت مدّةٌ، ذهبت لمحضر آية الله الشّيخ البهجة حتّى أسلم لسماحته بعض الحقوق الشّرعيّة، بمجرّد أن جلسنا وبدون أن أقول شيئاً، قال سماحته: هذه القبّة خربة، متشققّة، لماذا لا تصلحونها؟ فتعجبّت من قول سماحته، لأنّي كنت أنا قد رأيتها من قرب، لكن سماحته من أين علم؟

بعد لحظات قال: الله يوصل تكلفتها! قلت: إن شاء الله. لحظات أُخرى قال سماحته: الله يعطي العمر أيضاً! فقلت: على عيني.

فنادى آية الله الشّيخ البهجة ولده الشيخ عليّاً قائلاً: «تعال يا سيد علي! هات خمسة ملايين تومان لأجل القبّة، قلت: تحتاج لأربعة مليارات تومان! تحتاج مائتين وأربعين كيلو غراماً من الذّهب! فقال سماحته: إنّها تصلح! مرّت بضعة أيّام راجَعَنا نجلُهُ الشّيخ علي وقال: إن والده يقول: لماذا لم تبدؤوا؟ إنّها تصلح! ومرّة أخرى أمر سماحته بدفع عشرة ملايين تومان أخرى وأعطانا إيّاها الشّيخ علي، ولكن بقيتُ متحيّراً ماذا أفعل، لكن كان في ذهني أنّ ما يقوله سماحته هو شيء آخر، إلى ما بعد شهر أو شهرين، كنت في مكتبي وأنا قلق جدّاً، من جهة كلام الشّيخ البهجة الذي كنت أعلم أنّه لا يتكلّم دون نظر ثاقب وحكمة، ومن جهةٍ لا نملك المال الكافي، فجأة رنّ هاتف مكتبي وكان المتّصل يقول: لقد جاء شخص يريد شراء المبنى التّجاري التّابع للحرم، والّذي يقع في طهران، وكان هذا على رغم مرور زمن طويل ولم يتقدّم أحد لشرائه، واشتراه من الأمانة العامّة للحرم بمبلغ ثمانمائة مليون توماناً فاتّصلت برئيس الجمهورية، وقلت له: إنّنا نريد شراء ذهبٍ بقيمة منخفضة لأجل قبّة السيّدة المعصومة (عليها السّلام)، وهو بدوره أحالني إلى رئيس البنك المركزي، وبهذه الثمانمائة مليون اشترينا مائتين وأربعين كيلو غراماً من الذّهب وبشكل لا يصدّق، تمّ العمل من إصلاح وتذهيب قبّة السيّدة المعصومة (عليها السّلام)، بل زاد كميّة من الذّهب تمّ فيها تجديد التّذهيب في إيوان الصّحن القديم، والّذي كان قد مرّ عليه زمن طويل وكان قد تغيّر لونه، وكذلك إضافةً إلى تذهيب منارة السّاعة في الحرم والمقابلة للمدرسة الفيضيّة».

 

وينقل حجّة الإسلام والمسلمين علم الهدى:

«كان يقول أحد الطّلاب: إنّه قبل سنوات أردت الذّهاب إلى جيلان لأجل التّبليغ، هيّأت مصارف العيال ولكن لم أكن أملك أجرة الطّريق، لجأت لزيارة كريمة أهل البيت (عليهم السّلام) السيّدة المعصومة، وصلت وشكوت لها ألم قلبي، أنّه نحن كلّ وجودنا باختيار أهل البيت (عليهم السّلام)، ونريد أن نبلّغ شريعة جدِّكم ولكن لا نملك أجرة الطّريق، بالنّهاية بعد الزّيارة توجّهت للصّلاة خلف سماحة آية الله الشّيخ البهجة، وبعد انتهاء صلاة الظّهر والعصر، عندما أراد سماحته أن يذهب، فجأةً أشار إليّ حيث كنت أجلس في الصّفّ الثّاني، ظننت أنّ سماحته لديه عمل مع غيري، مرّةً أخرى أشار إليّ وقال: أشير إليك! فقمت ووصلت إلى سماحته، فقال: تعال معي!

ذهبنا مع عدّة من الأشخاص إلى أن وصلنا إلى باب منزل سماحته، فقال سماحته: قف هنا حتّى أرجع. فدخل سماحته إلى المنزل، وبعد دقائق قصيرة رجع، وأعطاني مبلغ مائتي ألف تومان (الّتي كانت بذاك الزّمن مبلغاً كبيراً جداً)، فقلت: ماذا أفعل؟ فقال سماحته: ألم تطلب المال؟

تذكّرت القضيّة وقلت: هذا المبلغ كبير، فقال سماحته: لا، هناك أشخاص آخرون محتاجون، تؤمِّنهُم أيضاً.

على أيّة حال ودّعت سماحته وتحرّكت إلى طهران، في شارع «چراغ گاز، حيث تنطلق حافلات جيلان من هناك، رأيت عدداً من الأصدقاء أيضاً يريدون الذّهاب إلى جيلان مِنْ أجل التّبليغ، ولكن لا يملكون المال، قلت لهم: لا تقلقوا، وصل المال، في البداية ذهبنا وتناولنا طعام الغداء وبعدها صعدنا الحافلة وبمجرّد وصولنا إلى المنطقة نفدت المائتا ألف تومان أيضاً»[6].

 

وينقل السّيد زاهدي هذه القضيّة:

«أحد الفضلاء في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة واسمه السيّد ميرزا يوسف من أهل مدينة أرومية والمعروف من أغلب طلبة أرومية قد قال لي: في أوائل مدّةِ الدّراسة حيث كان لي سنة أو سنتان في قم المقدّسة، ابتليت بألم في عيني بحيث ظهرت نقطة عمياء في عيني، وكنت أرى فقط أمامي ولا أرى طرفي اليمين واليسار، ومرّة بعد مرّة ازداد هذا الألم بحيث إنّ المتخصّصين في قم عجزوا عن علاجي، وأحالوني إلى طهران، ذهبت إلى طهران وهناك وبعد أن عاين وفحص الطّبيب المتخصّص عيني، أعطاني إبرةً وتحسّنت عيني، ولكن بعد شهر أو شهرين عاد المرض إليّ، وذهبت إلى نفس الطّبيب وأعطاني إبرة وتحّسنت، وبعد أسبوعين أو ثلاثة عاد الألم مجدّداً وكان أشدّ من السّابق، فراجعت الطّبيب مرّة أخرى وتحسّنت على أثر الإبرة، ولكن عاد الألم بشدّة بعد أيّام، ولم يستطع ذاك الطّبيب أن يفعل شيئاً. الحاصل أنّهم شكّلوا لجنة أطباء من أجْلي، وبعد المعاينة والفحص اللّازم أعطوني جواباً أنّ هذا المرض غير قابل للعلاج، وأنّ هذه العين ستعمى، وقالوا إنّ هذا المرض غير قابل للعلاج، وحتّى المتّخصّصون في البلاد الأخرى لا يتمكّنون من علاج هذا المرض! لذلك يئست ورجعت إلى قم وأنا غير مرتاح، وصلّيت صلاة الجماعة خلف سماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة، بعد الصلاة رافقت سماحته إلى باب منزله إلى أن سأل جميع المرافقين أسئلتهم لسماحته وانصرفوا، في هذه الأثناء الْتَفَتَ سماحته أن لديّ سؤالاً، فقال: تفضّل، فقلت لسماحته ما حصل معي وأنا في ضيق وعسر، الخلاصة أنّ الأطباء قد يئسوا من علاجي! فعندها تبسّم سماحته وقال: ضع يديك على عينيك بعد الصّلوات اليوميّة واقرأ آية الكرسي وقل بعدها: «اللهم احفظ حدَقَتَيَّ بحقّ حدَقَتَي عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)».

يقول السيّد ميرزا يوسف: عملت طبق توصية سماحته لمدّة ستّة أو سبعة أيّام وتحسّنت عيناي بشكل كامل، والآن وبعد اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة من تلك الحادثة لا أجد أثراً للمرض في نفسي مع أنّني أدرس وأبحث في اللّيل والنّهار»[7].

وينقل أحد أساتذة الحوزة عن أُستاذه في الأخلاق أنّه قال له: كلّما ذهبت إلى العرفاء كن مواظباً لأنّهم يرون باطنك. ونقل على سبيل المثال:

«إنّ آية الله الشّيخ جواداً الكربلائيّ قد حضر عند آية الله الشّيخ البهجة فقال سماحته له: هل تريد أن أُخبرك ماذا فعلت من أول عمرك إلى الآن وماذا ستفعل مستقبلاً؟ أعرف جميع أعمالك»[8].

 

وحول اطّلاع شيخ السّالكين الشّيخ البهجة على الأسرار وخفايا الأُمور يقول أحد أساتذة الأخلاق:

«ينقل أحد طلبتنا: كنت قد جمعت مبلغاً من المال، وكلّ مُدّةٍ كنت أطّلع عليها، أحد الأيّام رأيت أنّها صارت كثيرة، فلذلك وضعتها في حقيبة، بعد عدّة أيّام زرت آية الله العظمى الشّيخ البهجة: بمجرد وصولي إلى سماحته بدأ يقول لي: بلى، لقد أسَرَتنا الدّنيا، خدعتنا ولا تتركنا، نجمع أموالنا ونحسبها، ونفرح لزيادتها، ثم نجعلها في الصّندوق!».

بلى، كأنّ سماحته قد رأى جميع ما قمت به في الخلوة، وتفضّل علي بالتّنبيه اللّائق والمناسب»[9].

 

يقول أحد مدرسي الطّلبة الأجانب في حوزة قم المقدّسة: إنّه نقل له أحد الطّلبة الأجانب:

«هناك طالبة من أندونيسيا قد جاءت جديداً إلى مدينة قم المقدّسة، وبدأت بدراسة المعارف الإسلاميّة، تقول: قبل المجيء إلى إيران رأيت في عالم الرّؤيا شخصاً باسم الشّيخ البهجة يتكلّم معي، وقد تأثّرت بسماحته كثيراً وانجذبت إلى شخصيّته، وكان هذا في حين أنّني لم أكن قد سمعت سابقاً باسم سماحته، ولم أكن قد رأيت سماحته، ولكن بمجرّد أن رأيت هذه الشّخصيّة العظيمة في الرّؤيا صارت لديّ رغبة بالمجيء إلى إيران وأن ألتقي بسماحته، بالنّهاية وبعد سعي حثيث وفّقت للمجيء إلى إيران، عندما أتيت إلى قم، ولأنّي مشتاقة للقاء سماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة ذهبت إلى مسجد سماحته حتّى أرى سماحته، وأشارك في صلاة الجماعة خلفه، عندما رأيته توجّهت إلى أنّ جميع الأوصاف الظّاهريّة لسماحته مطابقة للشّخص الّذي قد رأيته في الرّؤيا.

وبعد انتهاء الصّلاة تشرّفت هذه الطّالبة الأندونيسيّة ـ الّتي أتت إلى قم المقدّسة مِنْ أجْل الدّراسة ـ بالحضور لدى سماحته، وسماحته مع أنّه قلّما يتكلّم مع أحد، لكنّه قد قال لها بعض الكلمات»[10].

 

«في أحد الأيام جاء إلى محضر سماحة الشّيخ أحد كبار المسؤولين الأمنيّين في إيران برفقة عدّة أشخاص مسؤولين، وجلسوا في الحجرة ينتظرون سماحته، عندما دخل سماحته وجّه سؤالاً للمسؤول الأمني الكبير: هل ما زلت مرتبطاً بذاك المكان؟ فأجاب المرافقون: هو في طهران يشغل المنصب الفلاني، فكرّر سماحته السّؤال، فأجاب المرافقون ثانية: هو يعمل في طهران، فسأله سماحة الشّيخ: ماذا عن خارج البلد؟ فضحك المرافقون ضحكة استهزاء وقالوا: لا هو في طهران.

فتوجّه المسؤول مباشرة وقال لسماحة الشّيخ: لا، أنا لست هناك بعد، والتفت إلى مرافقيه وقال: نعم، سماحته يقصد أمريكا، نعم، لقد كنت هناك لمدّة سبع عشرة سنة، وكنت قد أرسلت رسالة لسماحته من هناك.

فقال سماحة آية الله البهجة له: «تلك الرّسالة والهديّة الّتي أرسلتها لي ما زالت موجودة!».

اندهش المسؤول من ذلك كثيراً، لأنّ سماحته لم يكن قد رآه مطلقاً، ولم يكن قد سأل أحداً عن اسمه ولقبه. بعدها قال المسؤول: إذن ما زالت السّبعة عشر عاماً في ذهن سماحتكم، كنت طالباً في الجامعة وقتها، وأرسلت لسماحتكم هديّة، كيف تذكرون ذلك، مع أنّكم لم تروني سابقاً قطّ؟ لم أكن أحتمل أن يكون في ذهنكم أبداً أو أن تطابقوني على ذاك الشّخص!

هنا اندهش المرافقون، وأطرقوا نظرهم إلى الأرض وهم خجلون ونادمون من سوء ظنّهم»[11].

 

ينقل أحد تلاميذ آية الله الشّيخ البهجة، عن آية الله السيّد الكشميري(قدّس سرّه):

«في أحد الأيّام في مدينة قم قُرع باب المنزل أول الصّباح، فتحت الباب، رأيت أنّه آية الله العظمى الشّيخ البهجة. بعد تناول الفطور، قال سماحته: قل لعيالكم الكريمة أن تحضر ـ والّتي كانت ابنة آية الله الشّيرازي أُستاذ آية الله العظمى الشّيخ البهجة ـ وبعد السّؤال عن أحوالهم والدّعاء لهم، قال سماحته: «إنّ السّيدة المعصومة منزعجة لأنّكم ما ذهبتم لزيارتها!. يقول آية الله الكشميري: دقّقت فرأيت أنّه صار لنا مدّة ونحن راجعون إلى قم ولكن لم أستطع أنا وعيالي أن نذهب إلى الحرم!»[12].

 

أيضاً ينقل أحد طلاب آية الله الشّيخ البهجة (البالغ مناه) أنّ آية الله السيد الكشميري (قدّس سرّه) قد سأل سماحة الشّيخ البهجة: ماذا يجب فعله؟ فأجاب سماحته بجواب قصير وبليغ: «السّكوت والجلوس في المنزل!».

 

وينقل أحد أساتذة الحوزة:

«في بداية التّحصيل الحوزوي كان لديّ صديق نتباحث معاً الدّروس الحوزويّة، أحد الأيام عندما أتى للمباحثة قال لي: هل تريد الحقيقة؟ أنا لم أعد أودّ البقاء في الحوزة، لقد ضجرت، أريد أن أذهب خارجاً وأعمل، البقاء هنا لا منفعة فيه، فقلت له: إلى أين ستذهب وماذا تريد أن تعمل؟ فقال: أذهب لأصبح معلّماً أو أجد عملاً آخر. ذاك اليوم انتهى بحثنا، ومضى وقتٌ لكلامنا، في نفس تلك الأيّام، وفي أحد أيّام الجمعة ذهبت أنا وهو إلى منزل آية الله العظمى الشّيخ البهجة: بمجرّد أن جلسنا قال سماحته: يا فلان، لا تستصغر هذا «قال الصادق»، و«قال الباقر»[13] ، لا تظنّوا أنكم إذا ذهبتم وأصبحتم معلّمين أنّ هناك خبراً ما، لا يا عزيزي، كلّ ما هو موجود، هو هنا[14]. هذه الكلمات بعثت على تنبّه وصحوة صديقنا وجعلته يلتفت أنّ قصد سماحته هو ذمّ تلك الهَواجِسِ الخياليّةِ الّتي كان باله مشغولاً بها، وترك ما كان قد عزم عليه»[15].

 

يقول أحد الثقات:

«عندما كنت أذهب إلى فومن، وقبل أن أرجع إلى قم بيوم ذهبت لخدمة أحد علماء فومن وهو الحاج السيّد أبو القاسم أريب الفومني، أعطاني سماحته قطعاً نقديّة، وقال: أعط واحدة منها لآية الله العظمى الشّيخ البهجة، وعندما أتيت إلى قم سلّمت واحدة من هذه القطع النّقديّة لسماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة حفظه الله، وعندما أردت أن أذهب ثانية إلى فومن، أعطاني آية الله العظمى الشّيخ البهجة مبلغ ألف تومان وقال: أعط هذا المبلغ بواسطة أحدهم إلى السيّد أريب، فعلاً أخذت المبلغ وأعطيته لأحد أهل السّوق وقلت له: أعط هذا المبلغ للسيّد أريب ولا تقل له من الّذي أعطاه، جلست في دكّانه وذهب هو وعاد، رأيت أنّه قد دُهش كثيراً، قلت له: ماذا حصل؟ قال: عندما أعطيت المبلغ للسيّد أريب قال: لقد خَرِبَ قسم من منزلنا ويحتاج للإصلاح، وجاء المعمار وقال: أصلحه وآخذ ألف تومان، ولكن بما أنني لم أكن أملك المال قلت له: الآن اصبر، إلى أن وصل المال، بمقدار أجرة المعمار بالضّبط»[16].

 

وينقل أحد الثقات:

«كان هناك شخص قد علق بذهنه بعض الشّبهات العقائديّة، واتّجه من مدينته إلى مدينة قم واستقرّ هناك، في إحدى اللّيالي يرى آية الله العظمى الشّيخ البهجة في عالم الرّؤيا، وهو يجيبه عن الشّبهات، فاستيقظ وصار يتردّد في صدق رؤياه، لذا أتى إلى سماحته يوم الجمعة ليسأله عن هذه الشّبهات، أراد الشّروع بطرح شبهاته فقال له سماحته: «الجواب نفس ذاك الّذي قد قلته لك في الرّؤيا، لا تتردّد!»[17].

 

ويقول حجّة الإسلام الشّيخ الاسفندياري:

«ابتلي أحد أقاربنا بمرض السّرطان، الأطباء قالوا له: يجب إجراء عمليّة جراحيّة في أقرب فرصة، وإلّا سرت الغدّة السرطانيّة في كلّ البدن وتصبح غير قابلة للعلاج، فتحيّر أقاربي في هذه الظّروف واضطربوا،هل يجرون له العمليّة أم لا؟ مِنْ أجْلِ هذا، قرّروا الذّهاب إلى سماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة ليستخير لهم مِنْ أجْلِ العمليّة الجراحيّة، فقال لهم سماحته: العمليّة غير لازمة، بعدها أعطاهم مبلغاً من المال ليدفعوه عن المريض صدقةً، وأيضاً أمرهم أن يخلطوا ماء زمزم مع تربة سيّد الشّهداء (عليه السّلام) ويعطوه للمريض حتّى يشرب مقداراً منه كلّ يوم بقصد الشّفاء، وكذلك أن يعطوا لعدد من الفقراء مقداراً من الطّعام، وأن يدفعوا الصّدقة للفقراء قدر ما يستطيعون، وأن يوصوا عدّة أشخاص بأن يدعوا له للشّفاء من المرض.

أقارب المريض وبسرعة نفّذوا توصيات سماحة الشّيخ البهجة بدقّة، ونقلوا المريض إلى مشهد المقدّسة للتّوسل بأهل البيت (عليهم السّلام)، بقي المريض في مشهد ثلاثة أيّام مشغولاً بالدّعاء والمناجاة وحصل في حرم ذاك الإمام الهمام على الكثير من الحالات المعنويّة والرّوحانيّة.

بعد الرّجوع، لم يعد يشعر المريض بالألم، قرّرنا أن نذهب لمنزل آية الله العظمى الشّيخ البهجة، حتّى نضعه بالصّورة ونأخذ منه الخطوات التّالية، وعندما كنا في طريقنا لمنزل سماحته التقينا بسماحته في الطّريق بين المنزل والمسجد، فسأل سماحته: كيف حال المريض؟ قلنا: الحمد لله، وحدّثنا سماحته بكلّ ما حصل في مشهد وما قمنا بتنفيذه، فقال سماحته: اعملوا نفس هذه الخطوات وراجعوا الطّبيب، عندما راجعنا الطّبيب، وبعد المعاينة سألنا وهو مستغرب: هل قمتم بعمل ما أو أنّكم ذهبتم وعالجتموه في مكان ما؟ فقال المريض: كيف؟ فقال الطبيب: كيف زال المرض بشكلٍ لا يصدّق؟! فهو لا يحتاج للعمليّة، وبقي مقدار من الغدّة السّرطانية والّذي يتمّ علاجه بالدّواء!»[18].

 

يقول أحد الطّلبة الّذين يحضرون درس آية الله الشّيخ البهجة:

«إحدى اللّيالي حضنت طفلتي الصّغيرة وقبّلتها، ولم أقبِّل ابنتي الكبيرة الّتي كانت نائمة، للحظة خطر بذهني، إن شاء الله لا تكون مستيقظةً حتّى لا تتأذّى، لأنّني لم أحضنها وأقبّلها. ولم اعتنِ بهذا، عندما وصلت صباحاً أوّل الوقت لمحضر سماحة الشّيخ، وبالضّبط بعد السّلام قال لي: إن شاء الله أنّكم تراعون المساواة بين أولادكم؟!»[19].

 

يقول حجّة الإسلام والمسلمين الشّيخ الشّوشتري أحد أئمّة الجمعة:

«قال أحد أصدقائي: إنّه ولمدّةٍ، كنت أنام ولا أوفّق لصلاة اللّيل، فقلت لسماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة: إنّني أحبّ أن أصلّي صلاة اللّيل ولكن يغلبني النّعاس، وتفوتني صلاة اللّيل، فقال سماحته: أيّ ساعة تريد أن تستيقظ؟ فقلت له: السّاعة الثّالثة ليلاً.

فقال سماحته: اذهب، وإن شاء الله تستيقظ.

بعد هذا صرت أستيقظ السّاعة الثالثة كلّ ليلة حتّى وإن كنت متعباً أو كنت قد نمت قبل ساعة»[20].

 

وينقل أحد تلاميذ سماحة آية الله الشّيخ البهجة: إنّ مثل هذه القضيّة كان ينقلها أيضاً أحد العلماء وهو آية الله السيّد محمّد باقر الأبطحي(قدّس سرّه) حيث كان يقول:

«منذ أكثر من أربعين عاماً كنت في إحدى حجر المدرسة الحجّتيّة وطلبت من سماحة الشّيخ البهجة نفس الطّلب وقبل صلاة الصّبح سمعت صوتاً واستيقظت، وذهبت خارج الحجرة فلم أرَ شيئاً، دقّقت النّظر رأيت أنّه وقت صلاة اللّيل، وحصل ذلك لليلتين أو ثلاث، وبعد ذلك كنت أستيقظ، ولكن للأسف إذ أن هذه الأصوات لم تستمرّ لأربعين ليلة على الأقل»[21].

 

أحد الفضلاء من السّادة ـ والّذي لا يرضى بذكر اسمه ـ كان يقول:

«جاء شاب لخطبة ابنتي ولكن لأنّنا لم نقبله من ناحية الالتزام الدّيني ورفضناه، فأُسرة ذاك الشاب لجؤوا إلى السّحر وأثّر فعلاً بحيث إنّه كلّ مرّة تخرج نار من إحدى زوايا المنزل، وتوقّعنا أنّه من فعل أُسرة ذاك الشّاب، وأصبحنا فعلاً متحيّرين، لذلك ذهبنا لمنزل آية الله العظمى الشّيخ البهجة وعرضنا على سماحته ما حصل، فقال سماحته: إن شاء الله لن تأتي النّار لاحقاً!

بعد هذا أصبح الوضع طبيعيّاً وارتحنا من ذلك البلاء»[22].

 

يقول أحد الطّلبة من مدينة أصفهان:

«سافرت مدّة إلى مشهد المقدّسة مِنْ أجْلِ خلوص الذّات وتزكية النّفس، في أحد الأيّام ذهبت لمحضر آية الله العظمى الشّيخ البهجة، فسماحته وبدون أن أسأله قال: «يا فلان، التّزكية بهذا الشّكل لا فائدة منها، اذهب إلى أصفهان وأدخل السّرور على قلب أمك!».

 

قلت لسماحته: لا يمكن، وتناقشت مع سماحته قليلاً.

عندما استأذنت من سماحته صرت أفكّر أنّه لم أكن قد حدّثت سماحته بالموضوع من قبل، إذن من أين علم سماحته؟ فرجعت إلى سماحته واعتذرت منه»[23].

 

نقل حجة الإسلام والمسلمين الشّيخ الشّعباني:

«لما أردتّ أن أتعمم ذهبت بعد صلاة الصّبح لكي أتعمم بيد سماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة المباركة في مسجده.

وسماحته بعد أن وضع العمامة على رأسي سألني: ماذا تدرس الآن؟

في ذاك الوقت كنت قد أكملت اللّمعتين تقريباً عدا بعض الأبحاث الصّغيرة في هذه المجموعة الفقهيّة الكبيرة فلم أكن قد قرأتها، وفي تلك اللّحظة لم أتوجّه لذلك، لذا أجبت سماحته بأنّي قد أكملت اللّمعتين.

حينها شعرت كأنّ سماحته قد انزعج وربّما قد ظهر الغضب على وجهه وقال لي: «النّجاة في الصّدق!».

هذه الجملة من سماحته نبّهتني أنّ سماحته قد دعا للجميع ولكن لماذا قال لي هذه الجملة؟ بينما أنا أتأمّل عرفت أنّه لم أكن قد قرأت بعض أبواب اللّمعتين، وأنّني قلت: لقد أتممت اللّمعتين، ربّما لم يكن هذا صحيحاً لحدٍّ ما.

لذلك ذهبت إلى سماحته ثانيةً وقلت له: شيخنا، ما قلته لسماحتكم من أنّني أكملت اللّمعتين قصدي هو هذا، أنّني أكملتها بشكلٍ إجمالي، ولم أكن ملتفتاً لبعض الأبحاث الّتي لم أكن قد قرأتها، الآن خطر في ذهني أنّني لم أكن قد قرأتها.

بينما أنا أبيّن لسماحته هذا، بانت على وجه سماحته آثار الرّضا ودعا لي بدعاء الخير، وعرفت حقاً أنّ سماحته مطّلع على أسرار وبواطن الآخرين»[24].

 

وينقل أحد الكبار:

«سعيت قدر الإمكان أن أصلّي خلف آية الله العظمى الشّيخ البهجة دامت بركاته، وفي تلك الأيّام كان منزل أمّي في حيّ يزدانشهر في قم المقدّسة، ولم تكن المنطقة مأهولة بشكل كامل وكانت خالية.

كنت في الأيّام الّتي أحضر فيها درس سماحته، أصلّي صلاة المغرب والعشاء بإمامة سماحته وبعدها أرجع إلى المنزل.

في إحدى اللّيالي كان سماحته يخرج من المسجد وكنت أمشي خلفه، فقال لي لحظتها: أنتم أين منزلكم؟ قلت: في المنطقة الفلانيّة، فتأمّل سماحته وقال بعدها: اذهبوا إلى بيتكم سريعاً لا يلزم أن تأتوا للصّلاة ليلاً!.

وحيث إنّ كلمات سماحته كانت حكمة وفي محلِّها شعرت أنّه يجب أن أذهب إلى البيت سريعاً، ورجعت إلى البيت فوراً، وعندما وصلت وفتحت الباب رأيت أنّ زوجتي قد احتضنت ابنها وجلست وراء الباب وهي خائفة جدّاً، سألتها: لماذا أنت خائفة؟ قالت: رأيت عقرباً في البيت خفت منها»[25].

 

يقول حجّة الإسلام عبّاسي(قدّس سرّه) أحد طلبة سماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة ومسؤول الحوزة العلميّة في مدينة لنگرود:

«أردت أحد الأيّام أن أستخير، كنّا نجلس أنا وصديقي في الطّابق العلوي من المسجد، وكنت أخجل أن أذهب لأطلب من سماحة الشّيخ البهجة أن يستخير لي، فقلت لصديقي: اذهب واستخر لي، كان سماحته جالساً بجنب الحائط واجتمع حوله الطّلبة للاستخارة، وصل الدّور لصديقي وأخذ آية الله العظمى الشّيخ البهجة الاستخارة لصديقي، ولكن جواب الاستخارة أعطاه لي أنا، بحيث نظر إليَّ وأنا في الطّابق العلويّ من المسجد»[26].

 

وينقل الشّيخ الحجّتي:

«كنّا نحضر أنا وصديقي في درس الأُصول عند سماحة آية الله العظمى الشّيخ البهجة، وكان بحثه في الإنشاء والإخبار، ولم أكن حينها قد تزوّجت بعد، فخطر هذا السّؤال في ذهني، هل يجوز أن أدعو في الصّلاة أن يرزقني الله زوجة صالحة؟ أجاب سماحته فوراً: نعم، يمكن للإنسان أن يدعو في الصّلاة ويقول: اللهم ارزقني زوجة صالحة. أو يقول: اللهم ارزقني ولداً بارّاً.

عندما انتهى الدّرس قال لي صديقي المتزوّج: في أثناء الدّرس خطر في ذهني هذا السؤال، أنّه هل يجوز أن أدعو في الصّلاة أن يرزقني الله ولداً صالحاً؟ وسماحته أجاب عن هذا المطلب.

ولذا صار معلوماً لكلّ منّا أنّ سماحته مطلّع على ضمير كلٍّ منّا»[27].

 

وينقل أحد الطلاب:

«ذهبت لمحضر آية الله العظمى الشّيخ البهجة وقلت لسماحته: انصحوني.

فقال: لا تعصِ!

فقلت: شيخنا أنا مع هذه السنّ والعمر الكبير لا ارتكب المعصية، انصحوني غير هذا.

فقال سماحته: أأقول ماذا فعلت البارحة في البيت؟

فقلت: قل.

بمجرّد ما أخبرني سماحته دهشتُ وودّعته سريعاً وفارقت سماحته».

 

كلّ ذلك يدلّ على أنّ هذا الرّجل العظيم قد وَقَفَ كامل وجوده للعبوديّة فحباه الله سبحانه وتعالى إزاء هذا الخلوص في العبوديّة والرقّيّ مقاماً محموداً عنده وذكراً جميلاً لدى النّاس. كيف يتسنّى في هذه الصّفحات المعدودة تعريف اولئك العلماء الربّانييّن الّذين يطوون طريق العبوديّة بعيداً عن الرّياء والسّمعة؟

وصحيح أنّ سماحته (البالغ مناه) كان صاحب أسرارٍ مخفيّة ومعارف ومقامات عالية، لكنّه كان مواظباً دائماً على إخفائها ولم يكن ليرضى بأيّ عنوان أن يعرف شخصٌ ما أنّه قد استجيب دعاؤه في مسألة معيّنة أو تصرّفٍ من سماحته، كشفاء مريض، والأهمّ من ذلك أنّه كان دائماً ما يشير إلى أنّ مبدأ الفيوضات والألطاف ووسائطها هم الأئمّة (عليهم السّلام)، فمثلاً عندما كان يدعو لشفاء مريض أو يتصرّف لشفائه فكان يطلب من المريض أن يذهب إلى حرم السيّدة المعصومة (عليها السّلام) أو يشرب من تربة كربلاء، وكان يقول للمريض: إنّ شفاءك هو من أثر الزّيارة أو من أثر شُربِك لماءِ زمزمَ مع تربة كربلاء، وبعض المرضى كانوا يقولون: إنّنا لم نذهب للزّيارة ولم نستعمل ماء زمزم مع تربة كربلاء، بل إنّ شفاءنا كان على يد سماحته،فكان سماحته يغضب ويقول: «من أنا؟ لا دخل لي، أنا نفسي سائل، أنا أتسكّع على باب أهل البيت (عليهم السّلام)»،و أكثر ما كان يغضب سماحته إذا أفشى أحدٌ سرّاً من أسراره أو كرامة من كراماته، أجل، فقد كان يشير بكلّ وجوده إلى أهل البيت (عليهم السّلام)، ولم يكن يدعو لنفسه بل كان كلّ وجوده سهماً يشير إلى الله وأهل البيت (عليهم السّلام).

 

[1] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٦٤.

[2] بهجت عارفان در حديث ديگران، ص ٧٠.

[3] زمزم عرفان، ص ٢٤٤.

[4] برگی از دفتر آفتاب، ص ٧٧.

[5] زمزم عرفان، ص ٢٦٩.

[6] برگي از دفتر آفتاب، ص ٨٠.

[7] فريادگر توحيد، ١٥٩.

[8] فريادگر توحيد، ١٩٥.

[9] فريادگر توحيد، ١٩٥.

[10] فريادگر توحيد، ١٦٧.

[11] فريادگر توحيد، ١٩٦.

[12] فريادگر توحيد، ص ٢٠٠.

[13] يقصد سماحته الدراسة الحوزويّة و ما تحويه من كلام لأئمّة أهل البيت (عليهم السّلام).

[14] أي في الدراسة الحوزويّة.

[15] فريادگر توحيد، ص ٢٠٢.

[16] نكته هاي ناب، ص ٧٤.

[17] فريادگر توحيد، ص ٢٠٦.

[18] نكته هاي ناب، ص ٧٦.

[19] فريادگر توحيد، ص ٢٠٨.

[20] فريادگر توحيد، ص ٢٠٩.

[21] فريادگر توحيد، ص ٢٠٩.

[22] فريادگر توحيد، ص ٢١٠.

[23] فريادگر توحيد، ص ٢١٠.

[24] فريادگر توحيد، ص ٢١١.

[25] فريادگر توحيد، ص ٢١٢.

[26] فريادگر توحيد، ص ٢١٣.

[27] فريادگر توحيد، ص ٢١٣.