بسم الله الرحمن الرحيم
السادة [مادحو و ذاكرو أهل البيت (ع)] الذين هُمْ مُبْتَلُونَ بهذا الشغل و هذا العمل، فليشتغلوا بمدح أهل البيت (ع)، بذكر فضائلهم و مطاعن أعداء أهل البيت (ع) و المصائب التي حلّت بهم. جميع هؤلاء [المادحين] يجب أن يعلموا في أيّ موقف هم؛ [و] أيّ عملٍ يقومون به! [و] من أجل ماذا يقومون بهذه الأعمال. يجب أن يعلموا أنّهم يطبّقون نفس مودّة ذوي القربى التي هي في القرآن، سواء كانت بذكر فضائل أهل البيت (ع) أو بذكر مصائبهم؛ كل هذا هو أداء لأجر الرسالة؛ [و] تثبيت الناس على «القرآن». لماذا؟ لأنّه يوجد في القرآن: «إلّا المَوَدَّة فِي القُرْبَى»[1].
إن قال شخصٌ: نحن نريد القرآن و نأخذ به، لكن لا شأن لنا بأهل البيت (ع)؛ أيّ شأن لنا بأهل البيت (ع)؟! «حَسْبُنَا كتَابُ اللهِ»[2]. فنقول: الكتاب الإلهي الذي فيه «إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»، هو ذاك الذي تقول؟! هل يمكن أن نقول حينها أن لا شأن لنا بأهل البيت (ع)؟! كتاب الله الذي يوجد فيه آية «أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكُم و أَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِي»[3]، هو ذاك الذي تقول؟! إذن هل يمكن أن يكون دون إكمال و دون ولاية أهل البيت؟! تقولون ذاك القرآن الذي يوجد فيه تلك الآية:«إِنَّما وَلِيّكمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَ يُؤْتُونَ الزَّكاة وَ هُمْ راكعُون»[4]؟! أم لا، ليس في قرآنكم هذه الآيات؟! بلى، إذا لم تكن هذه الآيات في قرآنكم، فيمكن ان تقولوا أنّنا نأخذ بالقرآن، و لكن بالقرآن الذي ليست فيه هذه الآيات.
إذن يجب أن نعلم أن هناك واجباً كبيراً على عاتق الجميع، المعلّمين من خلال التعليم و المادحين[5] من خلال العمل، أن يفهِّموا هؤلاء [الآخرين] أنّه لا ينبغي رفع اليد [التخلّي] عن محبّة أهل البيت (ع). كلّ شيء هو في المحبّة. فإذا كنّا نحبّ الله، هل يمكن أن لا نحبَّ أولياءه؟ هل يمكن أن لا نحبّ الأعمال التي يحبّها؟ هل يمكن هكذا شيء أن يكون الشخص محبّاً لله، و لكن لا يكون محبّاً لأولياء الله؟ لا يكون محبّاً للأعمال التي يحبّها الله؟ [و] يكون محبّاً للأعمال التي يبغضها الله؟ هل يمكن هكذا شيء؟! قهراً إنّ الشخص الذي قال: «حَسْبُنَا كتَابُ اللهِ»؛ لا يلزم لا وصيّة و لا أي شيء آخر، [إن قوله] كذب واضح و جليّ؛ كالّذي يقول في النهار الآن ليلٌ أو يقول في الليل الآن نهارٌ. كتاب الله الذي هو ملآن بـ «كونُوا مَعَ الصّادِقِينَ»[6] كتاب الله الذي جعل المتّقين و الفاسقين في وصفين. انظروا من هم المتقون؟ من هم الفاسقون؟ من هم الصادقون و من هم الكاذبون؟ هل يمكن التبعيض [بين الآيات]؟! هل يمكن التفكيك [للآيات]؟! هذا مثل أن يقولوا: نحن نقبل نصف القرآن، و لا نقبل نصفه الآخر. كما إنّ النصارى و اليهودَ قد أخذوا عهداً من أصدقائهم قبل ثلاثمائة سنة بأن يجب أن يُحذف لعن اليهود و النصارى من القرآن و أنّه يجب أن لا يكون هناك شيء آخر غير عبادة الله في القرآن! فهل الشيء الذي نُنَصِّفُهُ هو القرآن؟! إذن [محتمل أن يقولوا] لا يلزم أن تكون عبادة الله أيضاً؛ مجرّد أن لا يقتل الإنسان أحداً، [أو] أن لا يضرب أحداً [هو كافٍ]. [يعني] عبادة الله غير لازمة أيضاً. ليقل عبدة الأصنام [حينها] أيضاً: نحن لدينا نكاح أيضاً، [و] لدينا سفاح، لدينا زنا، لدينا أكل أموال الناس و ... ـ [أي أنَّ] لديهمْ أشياءَ يعتقدون بها [أيضاً] ـ أمّا أن يكون الله [الهاً] واحداً فلا! [يقولون] هذه [الأصنام] «شُفَعَائُنَا عِنْدَ اللهِ»[7]. فلو كان البناء على التبعيض، فأصلاً أكثر الناس ليسوا عابدين لله، أكثر الناس عبدة أصنام. دين الله ليس تبعيضيّاً؛ إمّا أن تأخذ به كلّه أو أن لا تأخذ بشيء منه.
كان هناك رجلٌ غير صالح، أوصى أولاده عند موته: يا أبنائي هؤلاء الذين يدعونكم إلى عبادة الله و التدّين، أنكروا عليهم وجود الله ما استطعتم. إذا غُلبتم قبال مدّعي وجود الله، فلن تكونوا مرتاحين منهم، [حينها] يجب أن تكونوا تابعين لهؤلاء. فإذا قالوا: يجب أن تتوضأ المرأة من باطن اليد و الرجل من ظاهر اليد، فلن تتمكّنوا أن تخالفوا و يمتدّ [ذلك] إلى آخر السلسلة.
فقهراً هؤلاء الأشخاص الذين يقولون: أيّ شيءٍ هي هذه المراثي؟ ما هي قراءة المصيبة؟ ما هو إنزال الدمع؟ هم حمقى لهذا الحدّ إذ أنّهم لا يفهمون أنّ هذا الدمع كان منهج جميع الأنبياء (ع) شوقاً إلى لقاء الله، [و] تحصيلاً لرضوان الله، و مسألة أولياء الله هي أيضاً من هذا الباب. محبّة هؤلاء (ع) أيضاً إن كانت تجلب الدمعة في الفرح لفرحهم و في الحزن لحزنهم، فهذا كذاك القبيل أيضاً. هناك الكثير من الأدلّة [على هذا الأمر]: الأوّل إنّ جميع الأنبياء (ع) كانوا يبكون من خوف الله. أولم يكن لهم بكاءٌ شوقاً للقاء الله؟! نفس هذا كان عمل الأنبياء (ع). فإذا كان شخصٌ يقبل الأنبياء (ع)، فيجب أن يقبل البكاء و الدمعة. [ثانياً] و كذلك [من الأدلّة على هذه القضية] هذه المسألة أنّه ورد [في الروايات] و ثبت أنّ في إذن دخول حرم سيّد الشّهداء (ع) منصوصَ هذا الأمرِ بأن [يقول الشخص]: «أاَدْخُلُ يَا اللهُ، أاَدْخُلُ يَا رَسُولُ اللهِ، أاَدْخُلُ...» و يُستأذن من جميع الأئمة (ع). [ثم في] تتمة [الرواية] يقول: «فَإنْ دَمَعَتْ عَيْنُكَ، فَتِلْكَ عَلَامَة الإذْنِ»[8] لكن من الّذي يفهم هذا الأمر؟! من الّذي يكون عاقلاً؟! فدمع العين هذا مرتبطٌ بأعلى عليّين. لكن الحمقى يقولون: ما الدمع؟ هذه خرافات ـ نعوذ بالله ـ ما هذه؟!
دمع العين هذا، متعلّق بذاك العلو. عمل «أمّ داود» مفصّلٌ لذاك الحد بحيث البعض لا يتمكّن من إنهائه من الظهر إلى الغروب،. هناك [في الرواية] في السجدة الأخيرة [من صلاة عمل أم داود] اسعَ أن ينزل من عينك دمعة؛ فإن نزلت، فهي علامة أنّ دعاءك قد استجيب.[9] عجباً! أنتم تقولون أنّ هذا الدمع لا دور له؟! كلا، هذا اشتباه محض، إنّ دمعنا هذا مرتبط بأعلى عليّين؛ من هناك يستأذن، من هناك يطلب إجابة الدعاء.
فلذا يجب أن يعلم الأشخاص الذين لديهم حاجة مهمّة، [فليأتوا بـ] واحدة من هذه الصلوات و هذه العبادات التي ذُكرت من أجل الحاجة، و إذا أرادوا التثبيت، [و] التأييد، و أن يصلوا إلى حاجتهم دون شكّ، فليلتفتوا بعد طلب الحاجة و الصلوات و الأدعية أن يهووا إلى السجود، و أن يسعوا في السجود أن تبتلّ عينهم [بمقدار] جناح ذبابة، هذه علامة أنّ الأمر قد تمّ. نعمْ، إنّ ما هو موجود أنّ نظارتنا ليست صافية جيداً، نحن لا نفهم، فعلى فرض أنّنا نريد من الله بيتاً، أمّا الله لا يرى من مصلحتنا البيت الذي نريد، فماذا يصنع [تعالى]؟ هل يبطل دعاءنا؟ كلا، [بل] يعطينا أعلى من البيت؛ يقول للمَلَك: زِد على عمر هذا الشخص عدّة سنوات. يتخيّل هذا المسكين أنّه قد عانى كل هذا، و لم يرَأثراً للبيت و لدعائه بالنهاية ، لم يُستَجَبْ دعاؤهُ، لكن لا يعلم أنّه قد أعطوه ما يفوق استجابة هذا الدعاء، لكن هو لا يفهم.
يجبُ أن نحسنَ الظنَّ باللهِ، يجبُ أنْ تَكُونَ نظّارتُكَ واسعةً و صافيةً، [و] أن لا يكون فيها كدورة.
نستأمن و نستهدي و نفوّض أمر الجميع إلى الله سبحانه في تثبيت هذا الأصل الأصيل الذي هو «مودّة ذي القربى» مع كافّة لوازمها، ما بلغ، إلى الثور و الحوت،[10] كي يكونوا ثابتي القدم إن شاء الله.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته
[1] سورة الشورى، الآية 23.
[2] «عن ابن عباس (رض) قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه و سلم: هلم اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. فقال عمر: ان النبي صلى الله عليه و سلم قد غلب عليه الوجع و عندكم القرآن. حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه و سلم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عند النبي صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قوموا»؛ صحيح البخاري، ج7، ص9 و راجع أيضاً: مسند أحمد، ج1، ص324؛ ج7، ص9؛ صحيح البخاري، ج5، ص13٧؛ صحیح مسلم، ج5، ص76؛ أمالي المفيد، ص36؛ مناقب ابن شهر آشوب، ج1، ص236؛ بحار الأنوار، ج22، ص473؛ ج30، ص532.
[3] سورة المائدة، الآية 3.
[4] سورة المائدة، الآية 55.
[5] الرّاثين.
[6] سورة التوبة، الآية 119.
[7] سورة يونس، الآية 18.
[8] «فَإِنْ خَشَعَ قَلْبُكَ وَ دَمَعَتْ عَيْنُكَ فَهُوَ عَلَامَةُ الْإِذْنِ»؛ مصباح المتهجد، ج2، ص720؛ المزار، للشهيد الأول، ص122؛ بحار الأنوار، ج98، ص199.
[9] «... وَ اجْتَهِدْ أَنْ تَسِحَ عَيْنَاكَ وَ لَوْ بِقَدْرِ رَأْسِ الذُّبَابَةِ دُمُوعاً فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَامَةُ الْإِجَابَةِ»؛ مصباح المتهجد، ج2، ص812؛ بحار الأنوار، ج95، ص403 و راجع أيضاً: إقبال الأعمال، ج2، ص663؛ بحار الأنوار، ج95، ص404.
[10] كناية عن نهاية الأمر.